والتقى المسلمون والتتار بين الشام ومصر في معركة طاحنة، وتقدمت كتائب التتار كالجبال، ابن جنكيز خان الذي كان القائد ما كان يعرف الرحمة أبداً، وظن بعض المؤرخين أنهم لن يهزموا في التاريخ، فلما تقدموا أرسل التتار والمغول الجمال وكان عليها شوك فأخذت تجتاح جيش المسلمين فانهزمت المقدمة، وانهزم القلب، وانهزمت الميمنة، وانهزمت الميسرة، وبقي قطز وسط المعركة يقول: لا إله إلا الله، فلما انهزم الجيش أخذ قلنسوة الجيش المسلم أخذ خوذته التي على رأسه وتحميه من الضرب فوضعها في الأرض وداسها بقدمه وقال: واإسلاماه؛ معنى ذلك: أن الإسلام قد انتهى، ولكن: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] فلما سمع الجيش (واإسلاماه) رفع الله هذا الصوت، يقولون: ما قالها إلا بكلمة منخفضة لكن رفعها الله حتى سمعها كل الجيش، فعادوا يقاتلون كما يقاتل الإنسان عن ابنه أو عن نفسه، وجاء وقت الظهر وقد ولى التتار أدبارهم، فيقول قطز: لا ترفعوا السيوف عنهم حتى ندخلهم دمشق، فأخذوا يأسرون ويضربون ويقتلون حتى تهاوى العشرات والمئات على وجوههم، وأصبحوا يقتلونهم ثلاثة أيام بلياليها، حتى اقتربوا من دمشق.
يقول المؤرخون: أصبحت الريح تأخذ أظفار هؤلاء التتار من الأموات فيسمع لها خشخشة كخشخشة الأوراق من كثرتها، وأصبحت الأرض منتنة من روائحهم، حتى تهب الريح العاصف فيجدها أهل المدائن وأهل القرى من روائح القتلى؛ مجزرة في التاريخ ما سمع بمثلها.