ولما أتى إبراهيم عليه السلام إلى مكة ترك الأثر العجيب المبارك إلى قيام الساعة، ولا بد أن أستعرض معكم في هذه العجالة بعض المسائل:
أولاً: ما جاء في ماء زمزم وفضلها: فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ماء زمزم شفاء سقم، وطعام طُعم} فهو يشفي -بإذن الله- السقيم لمن تعالج به وعرف قدره، قال ابن القيم: وأتاني مرض أعيا الأطباء، فنزلت وأخذت من ماء زمزم، ورقيت نفسي فتشافيت بإذن الله فمن أحسن ما يستشفى به الاستشفاء بماء زمزم، ومن استشفى به شفاه الله عز وجل بإذنه سبحانه.
وطعام طعم، أي: أنه يكفيك عن الطعام، وأنك لو بقيت على ماء زمزم لشبعت بإذن الله، إن كنت تقصد الإشباع، فقد جاء في الحديث: {ماء زمزم لما شرب له} وقد بقي عليه أبو ذر أربعين ليلة، يقول: حتى تكسرت عكن بطني من السمن.
ومن المسائل: هل يجوز أن يتوضأ بماء زمزم أم لا يجوز؟
المسألة خلافية بين أهل العلم: فبعضهم كره أن تتوضأ منه؛ لأنه ماء طاهر مبارك، فلا يمتهن بالوضوء والصحيح أنه يتوضأ منه، فقد جاء في مسند الإمام أحمد من حديث علي وأسامة بن زيد {أن الرسول عليه الصلاة والسلام توضأ وشرب من ماء زمزم} وقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام أدخل أصابعه في الصحفة فبارك الله في الماء الذي خرج من أصابعه، فتوضأ الناس من هذا الماء، وهو أشرف من ماء زمزم، فمن باب أولى أن يتوضأ منه، وكذلك يجوز أن يغتسل به من الجنابة، وهذا هو الصحيح إن شاء الله.
وكيف شرب الرسول صلى الله عليه وسلم منه؟ ثبت أنه شرب منه واقفاً قيل: لكثرة الزحام، وقيل: لعجلته صلى الله عليه وسلم، وقيل: ليبين الجواز، وهذا كله وارد، فمن شرب مرة واقفاً فقد خالف الأولى، والأحسن أن يشرب جالساً، ومن كان في زحام أو مشقة أو عجلة فله ذلك.
المسالة الثانية: تحريم مكة على لسان إبراهيم ودعوته لها بالبركة، فإنه حرمها ودعا لأهلها بالبركة، فبارك الله فيها، ولذلك عندما قال إبراهيم لزوجة إسماعيل: ما طعامكم؟ قالت: اللحم والماء.
قال: هل لكم طعام غيره؟ قالت: لا.
ليس لنا إلا اللحم والماء.
فدعا لهم بالبركة فيه قال ابن عباس: فما ينفرد أحد من الناس في غير مكة باللحم والماء إلا لم يوافقاه، إلا في مكة فيوافق العبد اللحم والماء.
فلا يستطيع الإنسان أن يعيش دائماً على لحم وماء إلا في مكة.
المسألة الثالثة: فضل الزوجة الصالحة، وأنها علامة الخير وإذا آنست المرأة زوجها بالصلاح وأظهرت له الخير والبركة، بارك الله في البيت، ولذلك إبراهيم عليه السلام أمر إسماعيل عليه السلام أن يطلق امرأته الأولى؛ لأنها دائماً تتشاءم، فالخير موجود ومبذول، والماء كثير، والبيت واسع، ولكنها دائماً تقول: بيتنا ضيق، وسيارتنا لا تصلح، وأثاثنا من أخس الأثاث، ونحن في شدة وفي ضنك، والناس مرتاحون إلا نحن فهذه ليس فيها خير ولا بركة فإن المرأة الصالحة ولو كانت تأكل خبز الشعير فإنها تحمد الله، وتقول: نحن في نعمة وارفة، وفي ظل ممدود، ونحن في بركة وخير، وهذه هي علامة الخير والبركة.
ومن المسائل: فضل التوكل على الله عز وجل، فإن إبراهيم ترك أهله وترك زوجته وطفله وذهب متوكلاً على الله فحفظهم الله.
وفي الختام: نسأل الله عز وجل لنا ولكم الهداية والسداد والتوفيق، وأن يتولانا وإياكم، وأن يرعانا ويفقهنا في دينه، وأن يبصرنا بشرع نبيه وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.