وذلك بالدس فيه، يذبحون التاريخ الإسلامي بالدس فيه، وإخفاء محاسنه، وإظهار المساوئ، وتجد لهم نقمة على التاريخ، جعلوا تاريخنا كتاب الأغاني لـ أبي الفرج الأصفهاني، وكتاب المحاضرات للأصفهاني، وكتاب المستطرف في كل فن مستظرف، الذي هو كما يقول بعض الناس: من السرة وما تحت، هذا هو التاريخ الذي يقدمونه للناس في مسرحيات ومسلسلات، ويأتون بثلاثين مجلداً في الأغاني ويقولون: هذا تاريخكم قالوا عن: هارون الرشيد: كان يشرب الخمر، وعنده جوار يغنين له، حتى إذا قرأت ترجمة الرشيد في الأغاني أو في المستطرف تظن أن الرجل ما همه من حين يصبح إلى أن يمسي إلا في شرب الخمر، وفي الغناء والرقص والطبل واللعب.
هذا الذي دوخ المشرق، وفتح الممالك، ودمر القلاع بلا إله إلا الله، وأقام علم أهل السنة والجماعة، وفتح الفتوح، وجند الجنود، وأخذ العلماء استشاريين، أهذا يكون هالكاً؟! ويأتون بـ المعتصم فينزلونه منزلة كأنه فيها يمزح ويلاعب، وكأنه بطال عاطل ما عنده إلا هذه الهوايات فقط.
المعتصم الذي دك الجيوش، وأحرق المدن حتى لما كانت عمورية تحترق، احترقت بعدها بساعة مدينة أخرى، كما يقول أبو تمام:
لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجربِ
وهكذا يذبحون التاريخ.
يقدمون لنا في التاريخ الحجاج، ويقدمون أبا مسلم الخراساني، ويقدمون لنا في التاريخ المستعصم آخر الخلفاء، وكل ضائع أو سفاك أو مجرم.
أما أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وصلاح الدين وعمر بن عبد العزيز ونور الدين محمود وهذه القائمة البيضاء فيخفونها ولا يبدون إلا تلك، فحسبهم الله! ويظهرون للناس أن هذا هو تاريخكم فاقبلوه، وليس تاريخنا هذا، تاريخنا أجمل من الشمس في رابعة النهار.
أيضاً أيها الإخوة الكرام: يذبح الإسلام عموماً بوصفه بأقبح الأوصاف، وبأنه لا يلائم العصر، ويقولون: نخشى من الأصوليين أن يرتقوا؛ لأنهم سوف يتطرفون في أفكارهم أو يشددون على الناس، أما العلمانيون والديمقراطيون والشيوعيون فأذكياء وعباقرة.
أبناء أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، الذي كان يحكم ثلاثة وعشرين دولة من المدينة المنورة لا يصلحون؟! أحفاد هارون الرشيد الذي كان يتحدى السحاب لا يصلحون؟! ويقولون: الإسلام كان يصلح لفترة من الفترات، أما وقد وصل التقدم الحضاري إلى هذا المستوى فإنه لم يعد صالحاً للناس، والله يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] سبحان من أنزل هذا الكتاب وهذه السنة!
إن الدنيا لم تعرف الإسلام حتى تجعله حلاً حضارياً لمشكلات البشر؛ لأن الغرب والشرق يرون صورة الإسلام في مسار المبتدعة، أو مسار البعث في بغداد، أو مسار العلمنة، أو مسار الماركسيين العرب، ولا يرون الحل الإسلامي الحضاري ماثلاً أمام الحياة.