لما اجتمع -الأنصار- في سقيفة بني ساعدة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت لم يعين خليفة -على الصحيح من أقوال أهل العلم- لكنه لمحَّ ولم يُصِّرح صلى الله عليه وسلم، وعرض ولم يبين، فقدم أبا بكر رضي الله عنه، وامتدحه على المنبر قبل أن يموت بليالٍ عليه أفضل الصلاة والسلام بليالٍ وقال: {لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت -والخوخة الباب الصغير بين البيتين أو الدارين- إلا خوخة أبي بكر} ويقول: {والله لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن صاحبكم - يعني: نفسه صلى الله عليه وسلم - خليل الرحمن} وثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم: {سمع عمر يُصلي ويُكِّبر قال: من المكبر؟ قالوا: عمر، قال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر}.
فيقول عمر بعدها: [[رضيه صلى الله عليه وسلم لأمور ديننا، أفلا نرضاه لدنيانا]] ثم يقول عمر عن نفسه: [[والله لئن أقدم فيضرب عنقي في غير حد من حدود الله، لكان أفضل من أن أتقدم أمة فيهم أبو بكر رضي الله عنه]].
والمقصود من هذا أن الأنصار اجتمعوا -رضوان الله عليهم جميعاً- في سقيفة بني ساعدة، ولم يكن معهم أحد بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان قصدهم من هذا الاجتماع هو أن ينصبوا خليفة منهم -أي: يكون من أهل الأنصار- فلما بقي جثمان الرسول الله في البيت وسلم عليها أبو بكر، أتى عمر فقال: [[يا أبا بكر! دعنا ندرك الأنصار؛ لئلا يختلف في أمر هذه الأمة]].
قال عمر: [[وكنت قد زوَّرت كلاماً في صدري -أي: هيأت كلاماً- حتى أتكلم به إلى الأنصار -أي: أعرض لهم قضية الخلافة، أنها لابد أن تكون في قريش وفي المهاجرين- قال: فمضيت أنا وأبو بكر، وأبو بكر لم يهيئ كلاماً]]؛ لأنه كان مشغولاً رضي الله عنه، ظل يتكلم في الناس في المسجد، وأخبرهم بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهدأ من روعهم، وسكَّتهم، فانشغل بهذه الأمور عن تهيئة خطبة للقاء الأنصار، قال عمر: فدخلت أنا وأبو بكر على الأنصار، فوجدناهم يجتمعون على سعد بن عبادة رضي الله عنه، وهو مريض، وهم يختلفون فيمن يُولون الخلافة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال عمر: وكان في أبي بكر رضي الله عنه حدة - سرعة في بعض الأمور- كنت أُداريه -وهذا ثابت- وكنت قد زوَّرت كلاماً في صدري لأتكلم، قال: فأسكتني أبو بكر رضي الله عنه، ثم تكلم، قال عمر: [[والله ما ترك كلمة زورتها في صدري إلا أتى بأحسن منها]] ثم قال: أنتم أهل الدار! وأنتم الأنصار، منا الأمراء ومنكم الوزراء، يأبى الله على المؤمنين إلا أن تكون الإمرة في هذا الحي من قريش، ثم أخذ يستلينهم بالكلام ويدعو لهم بما قدموا للإسلام والمسلمين من خدمة ونفع، وفي الأخير رضوا، فقال أبو بكر: يا عمر! مد يدك لأبايعك، فقال عمر: والله لا أتقدم أُمةٌ أنت فيها، فقال أبو بكر: رضي الله عنه في صدق -لأنهم لا يريدون الحياة الدنيا، ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً- فقال: يا أبا عبيدة! مد يدك لأبايعك، فقال: والله لا أبايع وأنت فينا، فبايعوا أبا بكر رضي الله عنه ثم بايعه الناس.