Q يقول السائل: فضيلة الشيخ: نقرأ من حياة الصحابة والتابعين أنهم كانوا يخشعون عند سماع القرآن، ويبكون عند تلاوته، ولكني لا أستطيع ذلك، فما السبب الذي جعلهم يخشعون ونحن أقل خشوعاً؟ وما هو الطريق إلى التأثر عند سماع أو تلاوة القرآن الكريم؟
صلى الله عليه وسلم الخشوع عند تلاوة القرآن والتأثر والبكاء مدح الله به المؤمنين، وله أسباب، وكلما عظُم إيمان العبد خشع قلبُه، وخشي الله عزَّ وجلَّ، ولذلك ذكر الله العلماء فوصفهم بوصف، فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فمن لم يخش الله عزَّ وجلَّ فليس بعالم ولو حفظ النصوص واستحضر الأدلة؛ لأن المسألة مسألة خشية؛ ولذلك قال مطرف بن عبد الله بن الشخير في أبي بكر الصديق مقارنة بالصحابة: [[ما فاقهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولا صدقة؛ ولكن بإيمان وقر في قلبه]].
وعن الحسن البصري أنه قال: [[ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل]] روى ذلك مالك بن أنس في الموطأ مرسلاً.
وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لم يكن أعلم الناس بالفتيا وكان في الصحابة من يفتي كـ عبد الله بن عباس، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وأبي بن كعب؛ ولكن كان أبو بكر أخشى الصحابة لله سبحانه وتعالى؛ حتى تقول عائشة كما في الصحيحين: [[كان أبي رجلاً أسيفاً -أي: كثير البكاء والحزن- وكان إذا قام في صلاة الفجر قرأ سورة يوسف فما يبلغ قوله تعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] إلا وينهد باكياً وينهد المسجد معه من البكاء]].
وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد: أن أبا بكر دخل مزرعة رجل من الأنصار، فرأى طائراً يطير من شجرة إلى شجرة، فبكى وقال: [[طوبى لك أيها الطائر! ترد الماء وترعى الشجر، ثم تموت، لا حساب ولاعذاب، يا ليتني كنتُ طائراً]] فهذا من خوفه لله عزَّ وجلَّ.
أما الأمور التي يحصل بها الخشية -إن شاء الله- فهي:
الأمر الأول: الصدق والإخلاص: أن تصدق في نيتك وفي إخلاصك في تلاوة كتاب ربك تبارك وتعالى، فلا تقصد به الناس ولا ثناءهم ولا مدحهم.
الأمر الثاني: أن تتدبر ما تقرأ، وأن تقف مع عجائب القرآن وغرائبه، وأن تتصور أن الذي تكلم به هو رب العالمين حقيقة سبحانه وتعالى، وأنزله على قلب الرسول عليه الصلاة والسلام.
الأمر الثالث: أن تحسن صوتك بالقراءة وتنغمه علَّك أن تحزن وتخشع.
الأمر الرابع: أن تختار لنفسك وقت الارتياح: وهذا قاله الإمام أحمد، فالشبع الكثير لا يناسب الرقة في القراءة، أو التعب الشديد، أو النعاس، وقد أتى فيها آثار، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام عفا عمَّن قام يصلي وهو ينعس، قال: {فليرقد لعله أن يستغفر فيسب نفسه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فمن باب أولى قراءة القرآن، فيختار الوقت المناسب لقراءته.
الأمر الخامس: أن تتصور قلة المقام بهذه الدار، وأنه كتاب الرحيل، وأنه زاد إلى الله سبحانه وتعالى.
فإذا تم ذلك وإلا فادعُ الله وراجع فتح الباب من الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم ومن كل مسلم.