عبد الله بن سلام يعلن إسلامه

واسمعوا إلى رجلٍ من اليهود يروي أول يومٍ وصل فيه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، وهو عبد الله بن سلام رضي الله عنه؛ لأنه أسلم وآمن بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام، وبشر بالجنة، وهو الذي شهد شاهدٌ من أهلها، يقول سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف:10] شهد منكم شاهد، صاحب التوراة، قارئكم وعالمكم عبد الله بن سلام، شهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق، كيف استكبرتم! كيف طغيتم! كيف بغيتم! كيف كذبتم!

قال: كنت في السوق فإذا برجلٍ يصيح في السوق: يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فانقلب السوق بما فيه.

من الذي تكلم؟ أفصح من تكلم.

من الذي خطب؟ أفصح من خطب.

من الذي تحدث؟ أعدل من تحدث.

انقلب السوق، كان إذا تكلم عليه الصلاة والسلام توقفت القلوب، وسالت الدموع، وهاجت الأرواح، واشتعلت الأنفس.

وإذا خطبت فللمنابر هزةٌ تعرو الندي وللقلوب بكاءُ

قال: {أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله} هذا هو فجر التاريخ، هذا هو إمام الإنسانية، انقلب السوق، ترك صاحب البضاعة بضاعته، وصاحب السمن سمنه، وبائع الغنم غنمه، وبائع الجمال جماله، والجزار جزارته، والنجار نجارته، والبزاز بزه، وأقبلوا زرافات ووحداناً، سعوا إليه وهو معتلٍ في السوق كأنه سيفٌ مسلول أو علم منصوب، أو بدر في كبد السماء، فاقتربوا، قال ابن سلام رضي الله عنه وأرضاه يوم أراد الله أن يهديه: فاقتربت معهم، وزاحمت فنظرت إلى وجهه أولاً فإذا هو ليس بوجه كذاب، بل وجه صادق، تعرف الصادق من وجهه، وعباراته، وكلماته، وخطراته، وسكناته، ولحظاته، فنظرت إلى وجهه فرأيت النور البهجة الإشراق الصدق العدل

وجهه يملأ المكان نوراً.

وجهه يملأ الأرواح سروراً.

وجهه يملأ الأنفس حبوراً.

وجهه فقط يهتدى به.

يقول عمه أبو طالب:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأراملِ

يكفيك شاهد أن تنظر في وجهه، حتى يقول ابن رواحة:

لو لم تكن فيه آياتٌ مبينةٌ لكان منظره ينبئك بالخبرِ

لا تطلب أدلة، لا تطلب براهين، انظر إلى وجهه، فقط صعِّد نظرك في هذه البسمات، والقسمات، والرسمات؛ لترى النور يفاجئك ويدخل قلبك.

قال: فنظرت إلى وجهه فإذا هو ليس بوجه كذاب، ثم تكلم عليه الصلاة والسلام فقال: {أيها الناس! أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام -اسمع الكلمات والدرر والجواهر وكان اليهود يسمعون مع المسلمين- وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام} فقام عبد الله بن سلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فسأله من أين أنت؟ قال: من اليهود، فتعجب عليه الصلاة والسلام ورحب به وحياه، وأخبره بما أنزل الله عليه، وما ذكر الله من أخبار موسى، فإذا الرسالة نفس الرسالة، وإذا المعنى هو المعنى، وإذا الدليل هو الدليل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015