حقيقة الدنيا

وقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه في الليل الدامس، فأخذ لحيته بيديه يبكي، ويقول: [[يا دنيا يا دنية طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها، زادك حقير، وسفرك طويل، وعمرك قصير آه من وحشة الزاد، وبعد السفر، ولقاء الموت]].

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1 - 2].

يا أيها الذين قرب رحيلهم إلى المقابر، ماذا أعدتم للمقابر؟

يا أيها الذين استبشروا بطلعاتهم، وخافوا من وهج الشمس أن تغير بشرتهم، سوف تحشرون في المقابر، يا أيها الذي تظلل في الظل الهانئ الوارف؛ سوف تطرح في المقبرة، يا من تمتع برؤية أطفاله، والجلوس على منابره وكنباته، سوف توسد التراب، يا من تلذذ بالطعام والشراب؛ سوف يأكلك الدود.

ستنقلك المنايا من ديارك ويبدلك البلى داراً بدارك

وتسلب ما غنيت به زماناً وتنقل من غناك إلى افتقارك

فدود القبر في عينيك يرعى وترعى عين غيرك في ديارك

مر عمر بن عبد العزيز -كما في البداية والنهاية لـ ابن كثير - الخليفة الزاهد العابد، المجدد الأول بعد الصحابة؛ مرّ بالمقابر في دمشق فقال: يا موت ماذا فعلت بالأحباب؟ ماذا فعلت بالأحبة؟

ثم بكى حتى جلس، فجلس معه الأمراء والوزراء وهم يبكون قال: [[أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: لا.

قال: يقول: ذهبت بالعينين، وأكلت الحدقتين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، وفصلت القدمين عن الرجلين، والرجلين عن الساقين]].

ساعة الموت -كما يقول أحد الأساتذة العصريين- يذل فيها الجبار، ويذعن فيها المتكبر، ويسلم فيها الكافر؛ لكن لا ينفعه حينها إسلامه.

فإذا أعددت لنفسك زاداً في ذاك القبر آنسك الله، فوالله الذي لا إله إلا هو لا مؤنس في القبر إلا العمل الصالح والتسبيح والذكر والصلاة والقرآن، يا عالم الدراهم والدنانير يا عالم الملابس والمعطيات يا عالم الأكل والشراب يا عالم العمارات والسيارات.

هذه عملة لا تنفع في القبر، صيرفي القبر يقول: هذه عملة بهرجٌ زائف.

لا يدخل القبر إلا عملةٌ عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله، ووقع عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى بعلامتها جبريل، ورضيها الله، ودخلت بالإخلاص، ووضعت بالتواضع، وسلمت بالقبول، ورفعت إلى أبواب الجنة الثمانية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015