حقيقة الشكر

كيف نفسر الشكر؟

قالوا: هي أن تثني على المنعم بإنعامه، وأن تجعل نعمته في طاعته ولا تخالف أمره، وهذا من أعظم ما فُسر به، ويقابل الشكر كفران الجميل قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28].

لكن تعالوا نستعرض معاني الشكر، يقول سبحانه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} [سبأ:13] جمع داود عليه السلام آل داود -هذا في التفسير- وكان عددهم ستة وثلاثين ألفاً، رجالاً ونساءً فخطب فيهم وبكى وقال: يا آل داود! إن الله أنعم عليكم بنعم ظاهرة وباطنة، أتريدون أن تبقى؟ قالوا: نعم.

قال: قيدوها بالشكر.

والله ما خلع نعمة عن عبد إلا يوم يخلع العبد طاعة الله، والله عز وجل ما حبس نعمة عن عبد إلا يوم يعرض العبد عن مرضاة الله، رجل أو أنثى.

إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم

وحافظ عليها بتقوى الإله فإن الإله سريع النقم

قالوا: أحد الصالحين نظر بنظرة واحدة إلى منظر لا يحل له فنسي القرآن بعد أربعين سنة.

قال لهم داود: صلوا في كل ساعة وتناوبوا الليل والنهار، فوزعهم إلى جماعات؛ فما كان يمر عليهم ساعة في الليل والنهار إلا وقوم يذكرون الله ويسبحون الله ويصلون لله: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} [سبأ:13] وهذا مصدر، أي: هكذا فاعملوا: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13].

سليمان بن داود عليه السلام في قصصه أجرى الله له الريح، كما قال سبحانه وتعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12] وهذا هو الملك العظيم، يوم قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35] فسخر الله له الريح، فكان يأمرها أن تنقله من مكان إلى مكان، فتأتي كالبساط تحته فتحمله ومعه الأمراء والوزراء، والعلماء والجيش، وتنقله من مدينة إلى مدينة، وهذا ما يبلغه العلم الحديث أبداً، وأي علم يبلغ هذه الدرجة؟! ويقول الله في وصف الريح إذا أراد أن يهبط، {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] لأن الإنسان يتساءل إذا رفعت الريح سليمان ومن معه كيف تهبط به، أهناك مدرجات أم تصطدم به في الأرض أم ماذا تفعل؟ قال سبحانه: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] ومعنى رخاءً: أي أنها تتدرج في خفة سرعتها حتى يقع على الأرض: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] حيث أراد من الأرض، إذا قال: اهبطي هنا لا تهبط بقوتها، بل تترسل رويداً رويداً حتى يهبط بسلام.

ارتحل مرة من المرات إلى الهند من أرض فلسطين -كان يسكن عليه السلام في فلسطين - فأمر الريح أن تحمله فحملته، فلما أصبح في الجو مع الناس على البساط؛ غطى شعاع الشمس عن فلاح يزرع في الأرض، فحجب الشمس عن هذا الفلاح، فنظر الفلاح فرأى سليمان عليه السلام بين السماء والأرض ومعه الحاشية، فقال الفلاح وهو بالمسحاة يخدم الأرض: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، قالوا: فارتفعت هذه الكلمة إلى الله؛ لأن سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، وأمثالها تصعد إلى الله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10] انظر كيف نسب الضمير إليه وحده، فمرت على سليمان هذه الكلمة، فقال للريح: اهبطي هنا، فهبط بجانب الفلاح، قال: يا فلان! ماذا قلت؟ قال: قلت: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، قال: والذي نفسي بيده لقولك سبحان الله أحسن مما أوتي آل داود.

ويقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس -وفي لفظ- أو غربت} قالوا: وأفضل حلية حلية الشكر، تجمل الناس بالذهب ولكن أصبح بلا إيمان لعنة، واتخذوا القصور، ولبسوا الملابس الفارهة، وركبوا السيارات؛ لكن لما تجردت عن الشكر ما أصبح لها طعم، ولا لون.

لبسنا حالياً من كل وشي فما سترت ملابسنا الخطايا

وأحسن لباس لباس التقوى {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015