والتكاثر قد يكون في الأموال، وهذا الذي تشير إليه الآية أصلاً؛ والتكاثر في الأموال هو أن يكون الإنسان تخصصه وعمله في الحياة تزويداً لدراهمه ودنانيره، لكن تضيع حسناته، تضيع قيمته عند الله ثم عند الناس، ولا يشعر بذلك؛ فلا دين ولا استقامة ولا رصيد من العمل الصالح.
فلو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شي
الزاد هو العمل الصالح فهذا ثابت البناني أحد الصالحين من التابعين ذهب إلى خراسان جنوب إيران في نزهة يريد مهمة هناك، فمر بالحدائق الغناء، والبساتين الفيحاء، والأنهار المتدفقة والتلال المترعة؛ فكأنه ما رآها، فلما عاد إلى البصرة سأله أهل البصرة: كيف رأيت جمال الطبيعة؟
قال: والله ما كأني رأيت شيئاً، وما أعجبني في سفري هذا إلا أنني رأيت عجوزاً تصلي ركعتي الضحى.
هذا ثابت البناني الذي يقول عنه الذهبي: كان يبكي من خشية الله حتى تكاد أضلاعه أن تختلف، في سفرته كلها ما رأى جميلاً من الأشياء إلاّ رأى عجوزاً تصلي ركعتين.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس}.
فأين أهل القناطير المقنطرة من الذهب والفضة؟
أين أهل البنوك؟
أين أهل الشيكات الذين ظنوا أن المستقبل لهذا الرصيد؟
لا والله لا رصيد إلا لمن له رصيد عند الله عز وجل.
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا
والتكاثر بالمال فلسفة، يعبر عنها بعض الناس بقوله: يترك كل شيء إلا المال، يسبح بحمد المال، وبعض الناس يعبد المال من دون الله، يسجد للريال، ويركع للريال، ويسبح ويحمد الريال، لو سألت بعض الناس عن اسمه ربما يغلط فيقول: الريال.
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام وهو يتحدث عن هؤلاء: {تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة} هؤلاء عبيد.
لماذا؟
لأن أكبر معنى عندهم في الدنيا هذا المال، فحديثهم في المجالس في المال، وكلامهم في المال، أخذهم وعطاؤهم ومحبتهم وبغضهم على المال.
وهذه عبودية من دون الله عز وجل.
قال ابن تيمية: " أإله غير الله يعبدون" أو " لا بد لهم من معبود غير الله يعبدوه " لا بد، لأن الإنسان كما في الحديث الصحيح: همامٌ حارث؛ قلبه همام، وأعضاؤه حارثة فاعلة تتحرك وتزاول، فلا بد له من مقصود، ولذلك اسم الله لفظ الجلالة قيل معناه: أنه تأله له القلوب، فلا تسكن إلا إلى الله، ولا تطمئن إلا إلى الله، ولا تصمد إلا إلى الله، ولا ترتاح إلا إلى الله، قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]
فإذا عرف هذا، فليعلم العبد أن من التكاثر، التكاثر في المال، وحدُّ المال الكثرة أن يشغلك عن طاعة الله، فإذا أشغلك عن طاعة الله، فاعلم أنه عارٌ ودمارٌ، وشنارٌ ونارٌ في الدنيا والآخرة.