أولها: إعجاز القرآن

وهذه المعجزة معنا إلى اليوم، هذه معجزة قال الله عز وجل عنها قبل خمسة عشر قرناً: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34] وقال سبحانه وتعالى: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13] وقال سبحانه وتعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23] بمثله، أو بعشر، أو بسورة، فلم يأتوا، أولاً بدأ بالقرآن فليأتوا بمثله فما استطاعوا، ثم بعشر سور فما استطاعوا، قال: بسورة فما استطاعوا، والصحيح عند علماء البلاغة أن السورة أصغر سورة في القرآن وهي {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1].

هذه ما أبلغها، يقول: تعالوا بمثلها، أو سورة العصر، ولكن وقف خطباء العرب وفصحاء قريش أفصح أمة ما استطاعوا أن يأتوا بمثل القرآن أو سورة منه.

حتى ذهب عتبة وقيل الوليد بن المغيرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو كافر، والرسول عليه الصلاة والسلام عند المقام في الحرم يدعو إلى الله، ثم وصل الوليد فجلس عند الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! إن تريد زوجة زوجناك أجمل فتاة في قريش، وإن تريد ملكاً ملكناك، وإن تريد مالاً أعطيناك، لكن اترك هذه الكلمة، اترك لا إله إلا الله.

لأن لا إله إلا الله تقلب رءوسهم، يغمى عليهم من لا إله إلا الله، منهج حياة، أي: يغير كل شيء في الواقع.

يقول عليه الصلاة والسلام: انتهيت يا أبا الوليد، انتهيت من عروضك ومحاضراتك وسفسطاطك وكذباتك، قال: انتهيت، قال: اسمع، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم تلا سورة فصلت والوليد يعرف القرآن، فلما بلغ قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13] قام يرتجف ووضع يده على فم الرسول عليه الصلاة والسلام قال: أسألك بالله والرحم! أسألك بالله والرحم، أسألك بالله والرحم، ثم قام وهو يرتعد، وذهب إلى قريش ووجهه قد تغير.

لأن القرآن يأخذ بأقطار النفس، القرآن يدخل إلى القلب مباشرة.

وذهب إلى قريش فقالوا: عدت بوجهٍ غير الذي ذهبت به، فأقسم وحلف بآلهتهم إنه لمغدق -أي: القرآن- وإن أعلاه لمورق، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، ثم أقسم أنه سمع الشعر والكهانة والسحر فما سمع بمثل القرآن.

يقول سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:5 - 6] وقالوا {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل:103].

انظر الرد، يقولون: الذي يعلم القرآن الذي يعلم الرسول عليه الصلاة والسلام هو خباب بن الأرت، خباب كان مولى أعجمي سبحان الله! كان يحد السيوف، وعنده كير يشتغل عليه، فيأتي صلى الله عليه وسلم إلى الضعفاء، يأتي إلى صاحب الكير -وواجبنا نذهب إلى الغسال والخباز والفران والفلاح والبقال ندعوهم- فجلس صلى الله عليه وسلم مع صاحب الكير يدعوه إلى لا إله إلا الله، قال كفار قريش: تدرون لماذا يذهب إلى خباب الصناع الحداد؟ قالوا: ما ندري! قالوا: يتعلم منه القرآن.

؟

انظر إلى رد القرآن، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103] يقول: هذا أعجمي والقرآن عربي وهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وقال سبحانه عن القرآن: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] وقال سبحانه وهو يتحدى به: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88].

بعض الإعجازات في القرآن سمعتها مباشرة من بعض العلماء علماء الجيولوجيا مثل الشيخ زغلول النجار والشيخ الزنداني وأمثالهما، عبارات ما اكتشفت، وما عرفها الصحابة ولا القرون الأولى ولا اكتشفت إلا الآن، مثلاً: قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75] العرب لا تعرف مواقع النجوم، لكن اكتشف في هذا العلم الحاصل أن نجوماً من آلاف السنوات قد انسحقت من أماكنها واحترقت وما بقي إلا مواقعها، فالله لم يقسم بالنجم وإنما بمواقع النجوم، وأن هناك نجوماً قد انطلقت من آلاف السنوات، وما وصلت إلى الأرض الآن وسرعتها سرعة الضوء، ولكن لا زالت تواصل الرحلة ثم ترتطم بعد سنوات في الأرض، قال سبحانه: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75].

مسألة: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5] لو سألت السلف: ما معنى: اهتزت؟ قالوا: الله أعلم، أثبت العلم الآن أنه إذا وضع النبت والحبوب والبذر في الأرض لا يمكن أن تنبت الأرض حتى تحدث الأرض بإذن الله هزة، وتسجل بجهاز (ريختر) هزة يفقس لها الحب هذا وتنبت النبات، قال: اهتزت، وإذا لم تهتز ما تنبت.

أول درس هو إعجاز في القرآن، وهذا من أراد أن يعيش معه، فليتحد به الناس عامة الخطباء والبلغاء والفصحاء والملاحدة والكتبة يتحداهم بالقرآن، لكن والله الإنسان يتعجب مالهم لا يؤمنون {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق:20] لماذا لا يستمعون القرآن ثم يؤمنون؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015