الأمر الثالث: صحبة الصالحين:
وقد كانوا إذا عدوا قليلاً وقد صاروا أقل من القليل
وابتعد عن الزملاء الذين يبعدونك عن الله, تريد أن تتقرب من الله فيبعدونك عنه, وتريد أن تتقرب من الجنة فيقربونك من النار, تريد أن تقترب من الهداية فيأخذونك إلى الغواية.
واجلس مع الصالحين، فعند الجلوس مع الصالحين تتنزل الرحمات من السماء, وتحفك السكينة, ويغشاك الله بفضل من رحمته, ويذكرك الله فيمن عنده.
ولذلك يمر الملائكة ثم يصعدون إلى الله فيقولون: يا ربنا! جلس أولئك القوم يذكرونك وفيهم فلان ما جلس إلا مجاملة معهم ليس منهم, قال الله سبحانه وتعالى: وله غفرت، قالوا: إنه ليس منهم, قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم, مثل هؤلاء يرحمك الله برحمتهم ولو كنت بعيداً عنهم, ومثل هؤلاء يدخلك الله معهم في رحمته.
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلقي خطبة في مسجده الميمون المبارك، والناس كلهم آذان صاغية لسماع خطبته، وفي أثناء الخطبة يدخل أعرابي فيقطع الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم, ويقول: {يا رسول الله! متى تقوم الساعة؟ فلم يقطع صلى الله عليه وسلم خطبته, واستمر في كلامه كالسيل المنحدر, فلما انتهى قال: أين تراه السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: ما أعددت لها؟ -أي: العمل, فالذكاء ليس أن تسأل عن الساعة متى تقوم, وماذا يهمك حين يدمر العالم وينتهي، إذا كان موتك بعد لحظات أو أسابيع أو سنوات؟ ما يهمك أن تقوم الساعة, فإذا مت قامت ساعتك- قال: فما أعددت للساعة؟ قال: يا رسول الله! والله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام, لكني أحب الله ورسوله, فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت} قال أنس رضي الله عنه راوي الحديث: فوالله ما أحببنا كلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أحببنا هذه الكلمة, فنحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ونرجو أن نكون معهم ولو لم نعمل بعملهم.
فالله الله بالجلوس مع الصالحين, والابتعاد عن الفسقة, والمردة, والمتهاونين بهذا الدين, والمتهاونين بالموت والحياة, ابتعدوا عنهم, واهجروهم ولو كانوا الإخوة الأشقاء من الأم والأب, يقول الشافعي رحمه الله:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة
فيرد عليه الإمام أحمد فيقول:
تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم يرتجى نيل الشفاعة
فأحِبَّ الصالحين, واجلس معهم, وعليك بهذه الأسباب, وتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بما استطعت من النوافل؛ لأننا أصبحنا قوم كما يقول محمد إقبال: علفنا الأكل.
كان السلف الصالح علفهم الذكر, على حد تعبير محمد إقبال , وكان قربتهم إلى الله ومواردهم القرآن, والصيام والصلاة, وأصبحنا الآن علفنا الموائد الشهية, أكل وشرب وضحك وزيارات, إنهاء للوقت, وضياع للمعلومات, وضياع للصالحات, هذه حياتنا.
ولذلك قلَّ من تراه من المسلمين يصلي ركعتي الضحى التي هي صلاة الأوابين والتي تعادل 360 حسنة, والذين ينظر الله إليهم في الضحى وهم يتململون في صلاة الضحى، والناس في أعمالهم ومشاغلهم, فيغفر الله لهم.
قلّ من تراه منا يقوم آخر الليل ساعة السحر, حينما يخلون بالله وحين يناجونه, ويدعونه سبحانه وتعالى ويستغفرونه, قلّ من تراه من يتوضأ ويصلي ركعتين.
وقلّ من تراه يختم القرآن ويتعاهده كل أسبوع أو على الأقل في كل شهر, وقلّ تراه من يزور المقابر, ويجلس مع الصالحين والأولياء في كتب التراجم, إنما نشكو حالنا إلى الله سبحانه وتعالى, ونسأله سبحانه وتعالى أن يبدل حالنا بأحسن منها, وأن يردنا إليه رداً جميلاً, وأن يتولانا في من تولى, وأن يحلينا بالإيمان, وبحلية اليقين والإحسان, وأن يذكرنا المصير المحتوم, وأن يجعلنا ممن يستعد له الاستعداد الطيب, وأن يحفظ علينا أوقاتنا وأعمارنا وحياتنا.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين.