مقتل عمر بن الخطاب

عمر رضي الله عنه -وأنتم تعرفون من عمر الذي قضى كل حياته في الجهاد, وفي قيام الليل, وفي الصلاة والذكر, وفي الزهد والعدل, رضي الله عنه وأرضاه- خرج على المسلمين يوم الجمعة, وفي الخطبة العظيمة بكى بكاءً عظيماً, ثم قال: أيها الناس إني رأيت في منامي أن ديكاً ينقرني ثلاث نقرات, وقد عرضت هذه الرؤيا على أسماء بنت عميس الخثعمية زوجة جعفر , فأخبرتني أن رجلاً من الموالي سوف يطعنني ثلاث طعنات, فإذا طعنت فالله خليفتي عليكم، وأوصيكم بتقوى الله, وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه, ونزل رضي الله عنه من تلك الجمعة.

وعاد في فجر يوم السبت ليصلي بالناس, وكان من هديه رضي الله عنه أن يقرأ سورة يوسف، وابتدأ فيها حتى بلغ قوله تعالى حكاية عن يعقوب: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] فضج بالبكاء رضي الله عنه، وقطع صوته في القراءة وبكى الناس خلفه, ولما ركع تقدم إليه ذلك المارد الفاجر أبو لؤلؤة المجوسي بخنجره الذي يحمل حدين مسمومين, وطعنه ثلاث طعنات, ولما طُعن قال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثم هوى سريعاً في المحراب شهيداً في سبيل الله تعالى.

وجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فأكمل الركعة الثانية, وصوته يقطعه البكاء لأنه علم أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد انتهى من الحياة, واستمر أبو لؤلؤة يطعن الناس يمنة ويسرة حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً, مات منهم سبعة وبقي ستة جرحى, وفي الأخير قام عمر رضي الله عنه وحمله الناس ودماؤه الطاهرة تنسكب على مناكبهم، وتنهمر على أكتافهم وهم يأخذونه إلى بيته رضي الله عنه, ويعزونه في نفسه وقد انتهى من الحياة.

ولما وضعوه على فراشه وعلى سريره في بيته؛ تقدم الصحابة يعزونه, وانظر إلى التعازي! وانظر إلى الكلمات الصادقة وحرارة الإيمان في تعازي الصحابة بعضهم لبعض!

يتقدم ابن عباس رضي الله عنه فيقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين! فيقاطعه عمر ويقول: لست للمؤمنين بأمير, إنني أصبحت من أهل الدار الآخرة اليوم, فيقول: السلام عليك يا أبا حفص! والله لقد أسلمت فكان إسلامك نصراً لله ولرسوله وللمؤمنين, وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً, وتوليت فكانت ولايتك عدلاً.

فبكى عمر رضي الله عنه من هذه الكلمات, وقال: إليك يا بن عباس! والله لوددت أن أنجو من الحساب كفافاً لا لي ولا عليّ, فانحرف ابن عباس رضي الله عنه يبكي.

ثم تقدم علي بن أبي طالب عليه رضوان الله, فقال: السلام عليك يا أبا حفص! والله لقد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته يقول: {جئت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وذهبت أنا وأبو بكر وعمر} فأسأل الله عز وجل أن يحشرك مع صاحبيك, فبكى وكأنه ارتاح لهذه الكلمة.

ثم قال للناس: أيها الناس! أستودعكم الله وأوصيكم بتقوى الله, وقال وهو في مرض الموت: إني ما أتممت الفجر, الصلاة الصلاة وعيونه تترقرق بالدموع, فأتي له بلبن فشرب منه فخرج اللبن من كبده مع دمه رضي الله عنه وأرضاه, فقام وأكمل الركعة وهو في ذلك الظرف.

وفي تلك الساعة الحرجة -التي ينسى الحبيب حبيبه, والخليل خليله, وينسى الإنسان كل شيء يتقدم إليه شاب, مسبل لثوبه يجر إزاره في الأرض, فسلَّم على عمر رضي الله عنه وقبل رأسه وقال: أستودعك الله يا أمير المؤمنين! أحسن الله عزاءك في نفسك, فقال عمر: [[يا بن أخي! ارفع إزارك -يوصيه برفع الإزار وبتقصير الثوب في تلك الساعة- فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك]] فيقول: جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء, فيقول عمر: بل جزى الله الإسلام عني خير الجزاء, ثم ينتقل إلى الدار الآخرة.

فهؤلاء الأعلام لابد أن نجلس معهم ساعات ولابد أن نخلو معهم سويعات ولحظات, ونعطيهم الوقت الغالي من أعمارنا لنعيش معهم؛ لأن الذي يسكن مع من لا يتذكر سوف يبقى خامداً هامداً لا يتذكر الموت أبداً, ولا يستعد ولا تتغير حياته ولا ينقلب له منقلب, ولا يحسن العمل؛ لأنه يظن أن هذه الحياة أكل وشرب, وفلوس وزيارة, وشهادة ومنصب, ومال وولد, وهذا مغرور والله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015