الخصيصة الثانية: أنهم ليس لهم إمام مُعظَّم يأخذون كلامه كله ويدعون ما خالفه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كل إمام دونه عليه الصلاة والسلام يؤخذ من كلامه ويرد، وكل إمام دونه يُعرض كلامه على كلام محمد عليه الصلاة والسلام، فكلامه صلى الله عليه وسلم ميزان، وبضاعته كلها تعرف فتشترى، وبزه معروف طاهر طيب، أما البزوز غير بزه ففيها نظر، وكل بضاعة تخرج وليس خاتمه -مكتوب على البضاعة محمد صلى الله عليه وسلم- فاعرف أنها بضاعة مزجاة ينبغي أن تُرد على صاحبها.
يقول الإمام مالك: [[ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر]].
وقال الشافعي حديثاً فقالوا له: أتأخذ بالحديث؟! قال: سبحان الله! أرأيتني يهودياً أو نصرانياً؟! أيُّ سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا رددت كلامه عليه الصلاة والسلام.
وقال أبو حنيفة: "إذا عارض قولي قول الرسول صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط".
وقال سفيان الثوري: "ما أتاك عن محمد صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس، وما أتاك من أهل بدر فعلى العين والرأس، وما أتاك عن بقية الصحابة فعلى العين والرأس، وما أتاك عن غيرهم يُخالف قولهم فارمِ به في الحش".
والحش عندهم: دورة المياه.
وقال الأوزاعي: "لا تلتفت لقول قائل كائناً من كان إلا قول الرسول عليه الصلاة والسلام".
من زار بابك لم تبرح جوانحه تروي أحاديث ما أوليت من منن
فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسن
وقال الشافعي: "إذا تبين لي الحديث، ووصلني وعلمت صحته، وأخذت بقول غير الحديث؛ فاعلموا أن عقلي قد ذهب".
أي: رفع القلم.
قال شيخ الإسلام -أيد الله مسيرته ومنهجه، ونوَّر الله ضريحه، وقدس روحه-: "إن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره عليه الصلاة والسلام، بل كل أحد من الناس يُؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.