Q إنني أحب بعض الإخوة في الله؛ ولكن أجد منهم -أحياناً- تصرفات تجعلني أبتعد عنهم، ثم لا ألبث حتى أعود لهم ويحدث منهم، مثل: الاستهزاء ببعض المتدينين، أو التساهل في الصلاة.
فما موقفي منهم؟ ومتى يجوز أن أهجرهم؟
صلى الله عليه وسلم لا بد أن تفهم مسألة مهمة جداً، وهي: ألا تتصور في أخيك الكمال ولا تتطلب مبرأً من العيب، فإنك إن طلبت عجزت عن أن تناله وعجز أن يصاحبك.
تريد مبرأً لا عيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان
ويقول النابغة وهو يخاطب النعمان بن المنذر:
ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمُّه على شعث أي الرجال المهذب
وقبل ذلك وهو خير من ذلك قوله سبحانه: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21].
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
الأب الأم الأخ الابن الصاحب؛ لابد أن تصدر منهم أشياء، فاجعلها لحسناتك، واجعل هذه النقاط السوداء كالثوب الأبيض كأنها لا شيء، وإذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث، فارضَ بهذا، وحاول أن تسامح ولا تستقصي كل شيء:
إذا صاحبت قوماً أهل ودٍّ فكن لهم كذي الرحم الشفيق
ولا تأخذ بزلة كل قوم فتبقى في الزمان بلا رفيق
ترى بعض الناس عنده حاسة ناقدة، لذَّاع في النقد، كلما صاحب أخاً ورأى منه شيئاً هجره وعزله، فيصاحب في كل يوم ألفاً، ويهجر في كل يوم ألفاً، يقول امرؤ القيس بعد أن قال:
أرى أم عمرو دمعها قد تحدرا بكاءً على عمرو وما كان أجدرا
إذا قلت هذا صاحب قد رضيته وقرت به العينان بدلت آخرا
وهذا مذهب بعض الناس، دائماً يبدل ويعدد، فإذا رأيت أناساً الخير فيهم غالب فاصحبهم، وحفظت كلمة لـ ابن المبارك في الجرح والتعديل من أحسن ما يقال، وقيل: إنها لـ سعيد بن المسيب والله أعلم، قال: ما من شريف ولا فاضل ولا عالم ولا خيِّرٍ إلا وفيه شيء، فمن كان خيره أكثر من شره فهو العدل عندنا، أو كما قالوا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16].
وقال أحد الدعاة في كتاب له: باب: ميزان الناس عندنا بآية الأحقاف، وأتى بهذه الآية.