Q أنا شاب ضاع من عمري سنوات وسنوات وهأنا عدت إلى الله رب العالمين وتبت إليه، وهذه أول محاضرة أحضرها، ولكني أخاف أن أعود إلى الطريق القديم، فما نصيحتكم لي جزاكم الله خيراً؟
صلى الله عليه وسلم الحمد لله، قبل أن أجيب على هذا السؤال، وصلتني ورقة من بعض الإخوة أنني لاحظت على عبد الله بن الزبير وعلى يزيد بن معاوية، وقال: استغفر لهما.
أقول: أما عبد الله بن الزبير فأنا أستغفر له، أما يزيد بن معاوية فصاحب الورقة يستغفر له، وما أظن أني لاحظت على عبد الله بن الزبير ملاحظة تستحق، وأنا أتقرب إلى الله بحبه، وقد علق الذهبي على مطالبته، فقال: أعوذ بالله من طلب الملك، أو كلمة نحوها! فليُعاد إليها في سير أعلام النبلاء، وليس هؤلاء بمعصومين، ولو أننا نتقرب إلى الله بحبهم، وندافع عنهم، ونذب عنهم، وما أظنني جرحت ابن الزبير جرحاً، وأما يزيد بن معاوية فإن شئت أن تذب عنه، وتستغفر له فأنت وذاك.
أما السؤال الذي سأله الأخ فهذا يتكرر كثيراً!
أولاً: أُرحب بهذا الشاب الذي حضر هذه الليلة، وأسأل الله أن يجمعنا به في دار الكرامة وهنيئاً له.
سبحان الذي أعتقه من ذل المعصية ومن رق العبودية لغيره! وأدخله في هذا المكان الطيب الطاهر، فإن هناك جموعاً أكثر من هذه الجموع، لكن تجتمع على معاصي وضياع وأمور مظلمة، والآن هذا وقتك أن تجتمع مع أحبابك في الله عز وجل، هذه ليلتك الأولى ليلة الميلاد:
هي ليلة فيها ولدت وشاهدي فيما ادعيت الشمس والمريخ
فليلتك هذه من أحسن الليالي وهي ليلة الميلاد.
يقول أحد الفضلاء: لا بد للإنسان من ميلادين اثنين: الميلاد الأول يوم ولدته أمه باكياً فقيراً عارياً، فوقع على الأرض، فبكى من أنه خرج من السعة إلى الضيق، وخرج من العدالة إلى الظلم:
ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا
ثم أن تولد مع الشريعة، وأن تولد ميلاداً مع الوحي، وأن تولد من جديد في الهداية، فهذا الميلاد الثاني هو المذكور، قالوا: وللإنسان أبوان اثنان: الأب الجثماني والأب الروحاني، فالأب الجثماني أبوك الذي أعطاك الحليب والخبز والفاكهة، والأب الروحاني هو محمد عليه الصلاة والسلام الذي أتى بالوحي، وفي قراءة أبي، يقول سبحانه وتعالى: {وزوجاته أمهاتهم وهو أب لهم} هكذا قرأ أبي وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: وهو أب لهم.
وفي حديث صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إنما أنا أب لكم أعلمكم} ثم علمهم بعض أمور التطهر والتطيب عليه الصلاة والسلام.
فأنت -الآن- أيها المولود الجديد بدأت عالم الهداية، فاحذر أن تعود من النور إلى الظلمات، وعليك بأمور:
أولاً: أكثر من الدعاء والاجتهاد أن يثبتك الله.
الأمر الثاني: جاهد في النية أن تثبت {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69].
ثالثاً: آخِ الصالحين وجالسهم.
رابعاً: اقطع علاقتك بزملائك الأوائل أهل المعاصي وأهل الإسراف والإعراض عن منهج الله؛ فإنهم الذين يصدونك عن الطاعة، ويقفون في طريق الأنبياء والرسل بالمرصاد.