واعلموا حفظكم الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام مدرسة الإخاء، وكان يستعذبها هو وأصحابه، وعند الترمذي بسند حسن بمجموع طرقه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لـ عمر وهو يستأذنه للعمرة: {لا تنسنا من دعائك يا أخي.
قال عمر كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها}.
وليس هذا من أجل الكلمة فحسب، بل لقائلها، فالذي قالها محمد عليه الصلاة والسلام؛ قالها لأحد طلابه وتلاميذه، وتواضع في جلالة قدره وقال: يا أخي! فهي أخوة الإيمان.
ولما أراد عليه الصلاة والسلام أن يتزوج عائشة قال أبو بكر: {يا رسول الله! كيف تتزوجها وأنت أخي؟ -لأن أبا بكر ظن أن الأخوة الإسلامية تمنع النكاح- قال: أنت أخي وهي حِلٌ لي} فليس هناك رضاع ولا نسب، لكن هناك نسب ورضاع أعظم من النسب ومن الرضاع، وهو نسب التوحيد ورضاع الوحي، و {يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب}.
قام عليه الصلاة والسلام بهذه المدرسة؛ فصار الأخ يحمل روح أخيه، وصاروا أعظم مما قال الشاعر السني الإيراني السعد الشيرازي:
قال لي المحبوب لما زرته من ببابي قلت بالباب أنا
قال لي أخطأت تعريف الهوى حينما فرقت فيه بيننا
ومضى عامٌ فلما جئته أطرق الباب عليه موهنا
قال لي من أنت قلت انظر فما ثمَّ إلا أنت بالباب هنا
قال لي أحسنت تعريف الهوى وعرفت الحب فادخل يا أنا
وهذه وحدة الصوفية، إنما وحدة الإيمان أن تكون أنت أخاك في مظهرك ومخبرك، وتذب عنه وتحبه وتدافع عنه، وتعيش آلامه وطموحاته.