ومن أسباب زيادة الإيمان! النوافل، أن تكون عبداً لله، وليست العبودية كما قالت المرجئة: إيمانٌ يكمن في القلب وتصديقٌ ومعرفة، فإن هذا قد يوجد بعضه عند فرعون وقارون وهامان.
إنما الإيمان: صلاةٌ ونافلة سجودٌ وتسبيح، الإيمان دعاءٌ وبكاء، وتوجه وتوسل إلى الحي القيوم، ففي صحيح مسلم عن ربيعة بن مالك الأسلمي قال: {يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود} وعند الإمام مسلم من حديث ثوبان {فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة} طريق الجنة النوافل، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري أنه قال: {يقول الله عز وجل: ما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به} الحديث.
معنى هذا: أن في الناس مقتصدين، وسابقين بالخيرات، أما السابق هذا فله نوافل، وأيامه أوراد ولحظاته وأنفاسه كلها تسبيح، وتوجه للحي القيوم.
ألا إن أعظم ما يحفظ الإيمان النوافل، وإن مصداقية المؤمن تكمن في كثرة النوافل، وكثرة السجود، ألا وإن كثرة السجود والإكثار من الذكر وتدبر القرآن سياجاتٌ وخطوطٌ دفاعية عن الإيمان، ألا وإن أعظمنا عند الله قدراً أطوعنا له، وأحسننا تبتلاً إليه، وأكثرنا له عبودية، فتبارك الله رب العالمين.
إخوتي في الله! إن النوافل أمرها عظيم عند أهل العلم، ولذلك ذكروا في تراجم الصالحين أخباراً مشيدة عن تبتلهم في الليالي، وكثرة ذكرهم، وتدبرهم.
إن قضية الجفاف الروحي الذي نعيشه اليوم سببه إرهاصات وثقافات أتت لتقول للإنسان: لا داعي للنوافل، فالدين قشور ولباب!!
أتت لتقول للإنسان: القضايا النظرية لا بد أن تحلل تحليلاً عقلياً لتصلح هذه الأمة.
ألا يا أيها الأخيار! ألا يا أيها الأبرار! إني أدعو نفسي وإياكم إلى كثرة النوافل، وإلى التسديد والمقاربة، وإلى معرفة أن الطريق والهداية لا تكون إلا في القرب من الله.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.