قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23].
وفي حديث أبي هريرة الذي في الصحيح في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار: من تعلم علماً ليقال: عالم قارئ، ومن قاتل ليقال: جريء شجاع، ومن تصدق ليقال: جواد كريم.
وقد رواه مسلم والترمذي وأحمد وغيرهم من أهل العلم.
فإذا علم هذا فعلى الإنسان أن يتقي الله، قال عليه الصلاة والسلام: {من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه فله من عمله النار} رواه الترمذي والدارمي وابن ماجة، وذكره الدارمي في باب: التوبيخ لمن طلب العلم لغير الله عز وجل.
فنعوذ بالله من سوء المقاصد، بل على الإنسان أن يطلب العلم ليرفع الجهل عن نفسه؛ وليعبد الله على بصيرة وليعلم الناس.
فمباهاة العلماء: أن يظهر أنه يعرف ما يعرفون، فتجد بعضهم يتكثر بالمسائل كما يقول ابن تيمية، حتى تجد المسألة فيها خلاف بسيط، أو قولان لأهل العلم، فيقول: فيها سبعة أقوال، ثم يورد الأقوال، وتجده يزبد ويرعد كأنه جمل هائج والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور} وبعض الجهلة يقول: هذه المسألة اختلف فيها العلماء، وهو لا يدري أن للعلماء أصلاً فيها خلاف، وبعضهم إذا سأل في مسألة قال: فيها قولان، حتى إذا أخطأ في قول وإذا له قول آخر احتياط.
حتى أن جاهلاً سألوه: ما رأيك في المسألة الفلانية؟ قال: فيها قولان، قالوا: والأخرى؟ قال: فيها قولان، قالوا: ما رأيك في الله عز وجل؟ قال: فيه قولان.
وهذا مذكور في كتب أهل العلم ممن ذكره كثير منهم في التاريخ.
ومماراة السفهاء: هو مجادلتهم ومحاربتهم ومجاراتهم في السفه، فإن السفيه ليس لك أن ترد عليه، ولك أن تهجره وتتركه، وأن تعرض عنه، فإنه ممن يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً.
وأما صرف وجوه الناس: فهو الذي يحب المدح والثناء بالعلم وبنشره والعياذ بالله.
وفي الحديث الآخر: {من طلب علماً مما يبتغى له وجه الله تعالى، لا يطلبه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا؛ لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة} وهذه الزيادة أي: زيادة: {وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة} في موطأ مالك في كتاب: اللباس، باب: ما يكره للنساء لبسه، وغير الزيادة فإنها عند أبي داود وابن ماجة وأحمد والدارمي بأسانيد صحيحة.
وقال أبو عثمان النيسابوري: من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمرَّ الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة؛ لأن الله يقول: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].
إن تطيعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهتدوا، فأطلب من إخواني أن يمروا السنة على ظاهرهم، وإمرار السنة على ظاهرك أن تكون متزيناً بالسنة كقصر الثياب وإعفاء اللحية وقص الشارب والسواك، كعلامات أهل السنة الذين يظهرون بها، والباطن أن تكون متبعاً في معتقدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، متقلداً لواجبات الإسلام كالخوف والرجاء، والرغبة والرهبة والإنابة، وغيرها من أعمال القلوب، فاتباع الهوى نوع من الشرك، كما قال بعض السلف: شر إله عبد في الأرض الهوى.
وقد تعوذ السلف من الهوى؛ لأنه قائد يقود صاحبه إلى النار والعياذ بالله.
فكل من تكلم في مسألة أو موضوع بدون علم أو بدون أثارة من علم أو بدون نية حسنة، تجده يناقض نفسه، ويأتي برأي تافه ويتعسف ويلوي النصوص، وقد قال سبحانه وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] وتحكيم الرسول عليه الصلاة والسلام أن يُرضى بسنته ظاهراً وباطناً، وأن تحكم أخلاقه عليه الصلاة والسلام وسلوكه وأفعاله وما ورد عنه عليه الصلاة والسلام، وأن يكون الحاكم في أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تجعله شيخك وإمامك ومربيك وأستاذك، وأن تتعلم على يديه كأنك حضرت أصحابه رضوان الله عليهم، وكأنك جاورتهم، فلا تقبل القول إلا إذا كان عليه شاهدان من الكتاب والسنة، ولا تقبل الأمر إلا إذا كان عليه بينة من بينات محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تقبل الأمر إلا إذا كان موافقاً لسنته صلى الله عليه وسلم.
وقال النووي: روِّينا في كتاب الحجة بسند صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به} مع العلم أن ابن رجب وبعض أهل العلم يضعفون هذا الحديث، لكن معناه صحيح، فإنه لا يؤمن أحد من الناس حتى يكون هواه تبعاً لهوى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من رغب عن سنتي فليس مني} وكان يقول: {خذوا عني مناسككم} وكان يقول: {صلوا كما رأيتموني أصلي} فعلى العبد أن يحكم الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا يحكم أباه، ولا شيخه، ولا أستاذه، في أي أمر من أمور دينه، قال سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء:59] فعند التنازع علينا أن نرد إلى الكتاب والسنة وأهل العلم: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7].
قضية أبينها لكم بضرب مثل ردت إلى غير أهلها، مثل قضية: التطرف، هل عند المسلمين هل عند أهل الصحوة هل عند الدعاة هل عند طلبة العلم هل عند الملتزمين والمتدينين تطرف؟ من الذي يفتي في هذه المسألة؟ نسمع كثيراً من الناس هم عوام -صراحة- لا يملكون كتاباً ولا سنة، وليس عندهم شريعة، يحكمون على الشباب بالتطرف، نقول: من نسأل؟ نسأل العلماء: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] فنذهب إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وإلى فضيلة الشيخ محمد الصالح بن عثيمين وإلى الشيخ الفوزان وإلى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ والشيخ اللحيدان والشيخ ابن جبرين والشيخ البراك والشيخ ابن قعود وغيرهم من مشايخنا وعلمائنا فنقول: هل هؤلاء الشباب فيهم تطرف؟
هل مثلاً: من أعفى لحيته، وقصر ثوبه، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وصام وصلى ودعا، هل هو متطرف؟
هل رأيتم في شبابنا تطرفاً؟ ما هو التطرف؟
إنا نسمع من إعلام الشرق والغرب اتهام الشباب بالأصولية والتطرف، هل هم متطرفون أم لا؟
فإن أفتونا وأخبرونا أن عندهم تطرفاً قبلناه وصدقنا، وإلا فلا نسأل غيرهم، ولا يجوز لأحد أن يتحدث غير هؤلاء في هذه المسائل، وقس عليها من أمثالها.
أيضاً: هذه الجماعات التي في الساحة لك أن تتعاون معها إذا أصابت، وإذا أساءت فعليك أن تجتنب إساءتها، حتى ولو لم تكن أنت في الجماعة، فمثلاً: أحسن السلفيون في مسألة، أو في كتاب، أو في مشروع، فقم معهم وأسندهم، أحسن الإخوان في مسألة قم معهم وأسندهم وعاونهم، أحسن التبليغيون في مسألة قم معهم وأسندهم وعاونهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم، وفي حديث عند الترمذي بسند فيه كلام: {لا يكون أحدكم إمعة، إذا أحسن الناس أحسن وإذا أساءوا أساء، ولكن وطنوا أنفسكم، إذا أحسنوا فأحسنوا وإذا أساءوا فاجتنبوا إساءتهم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.