الأشقياء بكل معاني الشقاء هم المفلسون من كنوز الإيمان ومن رصيد اليقين، فهم أبداً في تعاسة وغضب ومهانة وذلة: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] لا يسعد النفس ولا يزكيها ولا يطهرها ولا يسرها، ولا يفرحها ولا يذهب همها وغمها وقلقها إلا الإيمان بالله رب العالمين، لا طعم للحياة أصلاً إلا بالإيمان.
إذا الإيمان ضاع فلا حياة ولا دنيا لمن لم يُحْيِ دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا
إن الطريقة المثلى للملاحدة إن لم يؤمنوا أن ينتحروا؛ ليريحوا أنفسهم من هذه الآصار والأغلال والظلمات والدواهي، يا لها من حياة تعيسة بلا إيمان! يا لها من لعنة أبدية حاقت بالخارجين على منهج الله في الأرض! {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] وقد آن الأوان للعالم أن يقتنع كل القناعة، وأن يؤمن كل الإيمان بأن لا إله إلا الله بعد تجربة طويلة شاقة عبر قرون غابرة توصل بعدها العقل إلى أن الصنم خرافة، والكفر لعنة، والإلحاد كِذْبة، وأن الرسل صادقون، وأن الله حق، وأنه على كل شيء قدير.
وبقدر إبمانك قوة وضعفاً، حرارة وبرودة، تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] وهذه الحياة الطيبة هي استقرار نفوسهم بحسن موعود ربهم، وثبات قلوبهم بحب باريهم، وطهارة ضمائرهم من أوضار الانحراف، وبرود أعصابهم أمام الحوادث، وسكينة قلوبهم عند وقع القضاء، ورضاهم في مواطن القدر؛ لأنهم رضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاًَ.