{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:1] لا تستبق الأحداث، أتريد إجهاض الحمل قبل إتمامه؟! وقطع الثمرة قبل النضج؟! إن غداً مفقود لا حقيقة له، ليس له وجود، ولا طعم، ولا لون، ولا رائحة، فلماذا نفتن أنفسنا به، ونتوجس من مصائبه، ونهتم لحوادثه، ونتوقع كوارثه، ولا ندري هل يُحال بيننا وبينه أو نلقاه؟ فإذا هو سرور ونور وحبور، المهم أنه في عالم الغيب، لم يصل إلى الأرض بعد، إن علينا ألا نعبر جسراً حتى نأتيه، ومن يدري؟ لعلنا نقف قبل وصول الجسر، أو لعل الجسر ينقطع بنا، وربما وصلنا الجسر ومررنا بسلام.
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانعُ
لا يعلم الغيب إلا الله، فانتظر موعودك مع الحياة، وكن سعيداً بيومك.
إن إعطاء الذهن مساحةً أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الاكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوت شرعاً؛ لأنه طول أمل، ومذموم عقلاً؛ لأنه مصارعة للظل.
إن كثيراً من هذا العالم يتوقع في مستقبله الجوع والعري والمرض والفقر والمصائب، وهذا كله من مقررات مدارس إبليس: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} [البقرة:268] كثيرون هم الذين يبكون؛ لأنهم سوف يجوعون غداً، وسوف يمرضون بعد سنة، وسوف ينتهي العالم بعد مائة عام، إن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم، والذي لا يدري متى يموت، لا يجوز له الاشتغال بشيء مفقود لا حقيقة له.
اترك غداً حتى يأتيك، لا تسأل عن أخباره، لا تنتظر زحوفه؛ لأنك مشغول باليوم.
وإن تعجب، فعجب هؤلاء الذي يقترضون الهَمَّ نقداً ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسُه، ولم يرَ نوره، فحذارِ من طول الأمل!