إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
معنا في هذه الليلة ومع صحيح البخاري حديث عجيب غريب، وهو ندوة حوار بين إحدى عشرة امرأة، اجتمعن يوماً من الدهر وتعاقدن وتعاهدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، وتكلمت كل امرأة منهن بمعاملتها مع زوجها ومعاملة زوجها معها، وفي يوم من الأيام جلس رسول الهدى صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها وأرضاها مداعباً ومؤانساً ومحدثاً، فقصت عليه خبر النسوة، عليه أفضل الصلاة والسلام.
فلنستمع إلى هذا الحديث الذي رواه البخاري في (باب حسن المعاشرة مع الأهل).
قال رحمه الله تعالى: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن وعلي بن حجر قالا: أخبرنا عيسى بن يونس قال: حدثنا هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: {جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل.
قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف ألا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره.
قالت الثالثة: زوجي العَشَنَّق، إن أَنْطِق أُطَلَّق، وإن أسكت أُعلَّق.
قالت الرابعة: زوجي كلَيْلِ تهامة، لا حَرَّ ولا قَرَّ ولا مخافة ولا سآمة.
قالت الخامسة: زوجي إن دخل فَهِدَ، وإن خرج أَسِدَ، ولا يسأل عما عهد.
قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث.
وقالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء، طباقاء، كل داءٍ له داء، شجَّكِ أو فلَّكِ أو جمع كلاًّ لكِ.
قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب.
قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد.
قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك؟! مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر، أيقن أنهن هوالك.
قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع؟ أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلي نفسي وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح.
أم أبي زرع فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح.
ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة.
بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها.
جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثاً، ولا تنقث ميرتنا تنقيثاً، ولا تملأ بيتنا تعشيشاً قالت: فخرج أبو زرع ذات يوم والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سرياً، ركب شرياً، وأخذ خَطِياً، وأراح علي نعماً ثرياً، وأعطاني من كل رائحة زوجاً، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك، فلو جمعت كل شيء أعطانيه، ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كـ أبي زرع لـ أم زرع}.
هذا الحديث من أعقد وأغرب الأحاديث في كتب السنة، وقد شرحه ما يقارب عشرة من العلماء، كل شرح في مجلد، وأعظم من شرحه القاضي عياض، قاضي المغرب وعالمها، وابن حجر شرحه فيما يقارب ثلاثين صفحة وهو حديث عجيب، فيه أكثر من خمس وعشرين فائدة، سوف تمر بنا بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، والآن نأتي إلى الشرح.