والشاهد فيه: {نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب} أي: لا نسير على علم الفلك وعلم الهيئة، إنما علمنا بالرؤية ولا نتكلف الأمور، وعلمنا نظري بحت مسهل مقرب، وليس استقرائياً معقداً، ولذلك لا توجد أي آية في القرآن تشكل عليك إلا في النادر، والحديث النبوي سهل، وإنما عقد العلم في القرون المتأخرة، أتوا فجمعوا الكلمات فشروحها فأعجموها وألجموها، ثم أتوا بالحواشي على المتون فزادوها غباء على غباء، ثم جاءوا بالحواشي على الحواشي فأظلموا، فيأتي الإنسان يقرأ في بعض الكتب فإذا هي طلاسم.
لكن افتح رياض الصالحين، أو صحيح البخاري واقرأ: {إنما الأعمال بالنيات} فيفهمها كل الناس حتى العجائز، تقرأ القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] من الذي لا يفهم هذا؟! تقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] فإذا هو مفهوم، ولكن مع سهولة القرآن ويسره فهو أعمق ما يكون، وفيه علم الأولين والآخرين، الأصالة والعمق في القرآن، والله ثم والله إن الإنسان ليشده حتى يقف مندهشاً مذهولاً إذا قرأ لمثل ابن تيمية وهو يتكلم عن القرآن، يأتي بأمور لا تخطر لك على بال، وربما تخطر لك لكن لا تخطر لي أنا، وما فكرت فيها في حياتي، يقول مثلاً: إن آيات الربوبية يوم يتكلم عنها بدليل المناظرة الربانية يتكلم فيها موسى مع فرعون، لكن الأدلة الاستقرائية في الألوهية يتكلم بها إبراهيم مع قومه، ثم يأتي بقواعد منضبطة في القرآن قال: الله إذا أتى بهذا ختم بهذا، شيء يذهل العقول! فسبحان من أنزل هذا الكتاب!