سبب نزول الآية وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه

في آية: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4] ينتقل بنا القرآن إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لنعيش مع الأب المربي الحاني في بيته، رسول الهداية وأستاذ البشرية ومعلم الإنسانية، وهو يعيش مع المرأة زوجاً، فالقرآن يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شأن من شئون الحياة، يتابعه قائداً عملاقاً، وإدارياً بارعاً، وخطيباً مصقعاً، ومفتياً فطناً، ويتابعه مجاهداً وقائداً، ويتابعه مربياً في البيت ومعلماً، فتعالوا مع القرآن في لمحة من اللمحات وفي سورة من السور والرسول صلى الله عليه وسلم في البيت مع زوجاته.

سبب نزول هذه الآية عند كثير من أهل العلم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى زوجته زينب بنت جحش، فقدمت له عسلاً فأكل العسل، سمعت عائشة وهي ضرة لـ زينب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل عسلاً عند زينب فأخذتها الغيرة، فذهبت إلى حفصة وطرقت عليها بيتها.

حفصة بنت عمر وعائشة بنت أبي بكر يتظاهران أي: تقومان صفاً واحداً في مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم فقوله: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم:4] أي: تعاونا عليه، فإن الله هو عونه وجبريل وصالح المؤمنين، فالله معه في حزبه، فقالت عائشة لـ حفصة: [[سمعنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل عسلاً عند زنيب، فإذا دخل عندك فقولي: يا رسول الله إني أشم منك ريح مغافير]] والمغافير نبت رائحته ليست بذاك، تأكله النحل ثم تأتي منه العسل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصعب عليه أن يوجد منه رائحة، كل شيء يتحمل منه إلا الرائحة، رائحته دائماً مسك، حتى إذا مر من الشارع يعلم الناس أنه مر ولو لم يروه، وكان عرقه يتصبب مسكاً أذفر من أغلى المسك، وكان الأعراب يوم حجه يأخذون كفه صلى الله عليه وسلم فيرسل كفه للحجيج فيأخذون كفه فيمسحون على وجوههم، فيبقى الأعرابي سنة كاملة أو أكثر يجد ريح المسك، ويقول أحدهم: {صافحت الرسول صلى الله عليه وسلم فوالله ما زالت أثر الرائحة إلى اليوم في يدي} كل العرق الذي يتصبب منه والآثار مسك أذفر، ولذلك ما كان يأكل الثوم والبصل، يقول لـ أبي أيوب وقد قدم له من أحد الأنصار هدية (ثوم وبصل) قال: {كل يا رسول الله.

قال: لا.

وقال لـ أبي أيوب: كل.

قال: لا، لم تأكل يا رسول الله.

قال: كل فإني أناجي من لا تناجي.

يناجي الملائكة: جبريل وميكائيل وإسرافيل، يتكلم معهم، فأكله أبو أيوب}.

فدخل صلى الله عليه وسلم على عائشة، فقالت: يا رسول الله إني أجد منك ريح مغافير، أظن أن نحله أكل العرفط (وهو شجر آخر) فسكت صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى حفصة فقامت حفصة وقالت: يا رسول الله أجد منك رائحة مغافير، أظن أن نحله أكل العرفط؛ فحلف صلى الله عليه وسلم ألا يأكل العسل بعدها، ما دام أن العسل يسبب هذه الرائحة التي لا تليق فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم:1] شيء أحله الله لك من فوق سبع سماوات، اتركهن فالله هو مولاك وجبريل وصالح المؤمنين.

وسبب آخر وكأنه الصحيح عند بعض أهل العلم، وقد أورده ابن جرير وابن كثير أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل في بيت حفصة وقيل في بيت عائشة بجاريته مارية القبطية وهي ما زالت جارية، ثم خرج صلى الله عليه وسلم، فكبر عند حفصة كيف يدخل بها في بيتها، فذهبت إلى عائشة فأخبرتها، فقامت عائشة واتحدت مع حفصة ضد الرسول صلى الله عليه وسلم، فحرم صلى الله عليه وسلم عليه مارية القبطية فقال الله له: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم:1].

إذاً هذا الخير هو السبب فجعل الله له كفارة من أيمانه، وقال الله للنساء: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} [التحريم:4 - 5] أي: وهل لا يوجد في الدنيا نساء إلا أنتن؟! انظر إلى التهديد والوعيد.

فلما سمعن الخطاب أخذن يتباكين وأتين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تعلن كل واحدة منهن التوبة، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:3] وهذا سبب من الأسباب، وهو الصحيح إن شاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015