ليس هناك معصية أعظم من الجهل، فإذا وجد الجهل في أمة فمعنى ذلك: أنها قد سحقت وأزيل مجدها، ودكت عظمتها، واستولى عليها العدو الباطن والظاهر من كل جانب، والجهل تبعية وخرافة ورجعية وتأخر، وهو عند أصحابه طاغوت من الطواغيت.
أتى عبد الحميد بن باديس العالم الجزائري الكبير، وأراد أن يطرد الفرنسيين من بلاده، ومن تراب وطنه، فأتى إلى الشعب الجزائري فوجده جاهلاً، فقال: كيف تريدون أن تطردوا الفرنسيين بأناس جهلة؟! فلما عَلَّم الشعب الجزائري عشرين سنة تقريباً، بدأ الزحف، فما مضت سنوات إلا وقد مُزق جيش فرنسا تمزيقاً تاماً على تراب الجزائر.
ولذلك فإن الجهل بالأثر -أي: بالكتاب والسنة- هو سبب كبير من أسباب البدعة، وإذا رأيت الإنسان يعيش وهو لا يتصل بالقرآن والسنة مباشرة، ولا تكن مادته ومكتبته السنة والقرآن، ولا يكون حديثه في المجالس ودروسه وتلقيه وإشراقاته من الكتاب والسنة -لا أعني في ذلك: أنه لا ينصرف إلى تخصص غير تخصص الكتاب والسنة، لكن ليكن محوره الكتاب والسنة- إذا رأيت ذلك فاعرف أن البدعة منه قريبة، وأنه أحد شخصين:
إما مبتدع سوف يكون منظراً كبيراً للمبتدعة، وإما جاهل يقلد من رأى، إن رأى سُنياً قلَّده، وإن رأى خارجياً قلَّده، أو مرجئاً، أو قدرياً، فهو يقلد كل إنسان!
يوم يمان إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعدناني
هذا عمران بن حطان يقول: أنا رجل داهية ألعب على الرجال، إذا جلست مع اليمني قلت: أنا يمني، وإن جلست مع العدناني، قلت: أنا عدناني، هذا الذي يعيش على هامش الأحداث، الذي لا يتصل بالعلم.