يقول ابن رجب: أثر عن بعض الصالحين قال: والله الذي لا إله إلا هو! إنه كان عندنا قوم ستروا عيوب الناس فستر الله عيوبهم، وكانت لهم عيوب، فلما ستروا عيوب الناس ستر الله عيوبهم، وإنه كان عندنا قوم ليس لهم عيوب فكشفوا عيوب الناس فأحدث الله لهم عيوباً، فالجزاء من جنس العمل.
إذا وجدت الإنسان يُغتاب بكثرة فاعرف أنه هو أيضاً يغتاب، وإذا وجدت أنه يطعن فاعرف أنه طاعن: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ} [آل عمران:185].
فهذا الجزاء من جنس العمل، كمن يستر على المسلمين فيستره الله، يقول ابن مسعود كما في الزهد للإمام أحمد وقد تبعه الناس يمشون وراءه: [[والله لو علمتم ما عندي من الذنوب لحثوتم التراب على رأسي]] هذا هو صحابي وهو صاحب أيادٍ وصدق في الإسلام، فكيف بنا أهل المعاصي والذنوب؟! فالواجب على المسلم أن يستر أهل الخير وأهل الصلاح.
وأما القسم الثاني: فهم المجاهرون بالمعاصي المنتهكون لحرمات الله، المعتدون لحدوده، فهؤلاء لا يستر عليهم وإنما يخبر بهم السلطان والمسئول والقاضي ليكون ردعاً لهم، وحداً للجريمة، وتبكيتاً للمعصية، فإنهم لو تركوا لحملوا الناس على المعاصي.
ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها -في حديث الضحاك بن قيس - فلما ذهب إليها أنيس فاعترفت فرجمها} وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بكثير من الناس فأقام عليهم الحد، لأنهم شهروا بأنفسهم أو لأنهم أعلنوا وتقدموا إليه صلى الله عليه وسلم، ولو أنهم استتروا لسترهم الله ولما أقام عليهم صلى الله عليه وسلم حداً، يقول صلى الله عليه وسلم: {من ابتلي من هذه القاذورات بشيء فليستتر بستر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى}.
والواجب على المسلم نحو الذنوب والخطايا التي لا يسلم منها أحد: أن يتوب ويستغفر وأن يفعل من الحسنات الماحية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] وقال عز وجل: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] وقال: {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] وقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
فالواجب على المسلم أن يستتر بستتر الله ولا يبدي نفسه وإنما يستتر حتى يتوب الله عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، إلا من جاهر فهذا يخبر به.