وأبو بكر لما توفي الرسول عليه الصلاة والسلام -وهذه قصة مشهورة قد ذكرها ابن القيم وأهل العلم- كان يصلي الفجر في مسجده صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إلى ضاحية من ضواحي المدينة فتبعه عمر.
وعمر هو المستساغ عند أبي بكر وهو الرجل الذي يستمع له أبو بكر دائماً، حتى لما كان في سكرات الموت قال لـ عثمان: اكتب: والخليفة من بعدي، فسكت، فكتب عثمان -خاف أن تختلف الأمة- عمر بن الخطاب.
فأفاق أبو بكر وقال: من كتبت؟ قال: عمر، قال: صدقت، ولو كتبت غيره لأنبتك، حتى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم يعرفون منزلته.
فهذا علي أبو الحسن -أمير المؤمنين الذي تقول الرافضة: أن الخلافة كانت له ولكن هضمها وحرمها- يقول على منبر الكوفة: لا يأتي رجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.
ويقول علي رضي الله عنه وأرضاه: لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر عمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر.
فالمسألة مكشوفة للعيان عند أهل السنة والجماعة، أن الرجلين هما أهل الخلافة ثم يأتي عثمان وعلي.
قال الإمام أحمد: من لم يثلث بـ عثمان ويربع بـ علي فهو أجهل من حمار أهله -بليد- وهذه تنطبق على الذين فضلوا علياً على الثلاثة، رضي الله عنهم جميعاً ونسأل الله أن يحشرنا معهم جميعاً.
الشاهد: فـ عمر كان يسأل نفسه: مالـ أبي بكر يخرج من المسجد كل صباح؟! فقال: لأمشين وراءه هذا اليوم، فمشى وراء أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه -أتظنون أن أبا بكر يذهب للسياحة أو للنزهة أو يلعب كرة رضي الله عنه وأرضاه- قال عمر: فدخل في خيمة لأعرابية في ناحية من نواحي المدينة -وعمر في الجبل لا يعلم به أبو بكر - فلما خرج من الخيمة دخلت وراءه فوجدت عجوزاً عمياء حسيرة كسيرة عندها جوارٍ صغار -بنات- وعندها نوق وشياه وشيء من الغنم، فدخل عمر وقال: يا أمة الله! من أنت؟
قالت: أنا عجوز عمياء حسيرة.
قال: ومن هذا الرجل الذي يأتيكم؟
قالت: لا أعرفه -ما أعلمها أنه أبو بكر أو قال لها: أعلمي الناس أن أبا بكر يأتيك كل صباح مثلما يفعل بعض الناس حيث يدفع للفقير ريالاً ثم يتنحنح ليراه جماعة المسجد- فقال: من هذا الرجل؟ قالت: لا أعرفه.
قال: فماذا يفعل إذا أتى؟
قالت: يأتي فيقمّ البيت -أي: يكنس البيت- ويصنع لنا إفطارنا ويغسل لنا أشياءنا وينظف لنا ملابسنا، فبكى عمر وقال: أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر.
إي والله، أتعب الخلفاء بعده، وهذا هو الإسلام وهذا هو الإيمان وهذا هو القرآن الذي يمشي على الأرض، يوم جعلهم الله خير أمة أخرجت على وجه الأرض، أولها الصحابة.
ويأتي من بعدهم إنسان ينام عن صلاة الفجر يقال له: لماذا لا تصلي؟ قال: الحمد لله نحن بخير، يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110].
إن خير أمة أخرجت للناس الذين قطعت لحومهم في سبيل الله، وسكبت دماؤهم في رفع لا إله إلا الله وفي حفظها، خير أمة أخرجت للناس من بلغوا دين الله في أخلاقهم، كان التاجر يذهب إلى جاكرتا في إندونيسيا فلا يدعو ولا يجمع الناس يوم السبت ليلقي عليهم من صحيح البخاري ولا يلقي محاضرة، إنما يتعامل بالصدق والأمانة، يمر من الشارع في جاكرتا وهو تاجر لا يحفظ إلا الفاتحة وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، فيرون وجهه فإذا عليه النور ويرون معاملته فإذا هي الصدق والوفاء، ويرون معاملته فإذا هو قرآن يمشي فوق الأرض، فيدخلون في دين الله أفواجاً، فلم يدخل جيش جرار ماليزيا ولا إندونيسيا بل دخلها تجار يبيعون ويشترون، فلما علم الله الصدق منهم بلغ دينه ودعوته بهذا.
فيقول عليه الصلاة والسلام: {من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة} يوم يجتمع الناس في يوم العرض الأكبر فتشتد الكرب عليهم فيكشف الله عن كل من كشف عن المسلمين كربة، كربة بكربة حتى يزيل الله الهم والغم عمن قدم، وهذا واقع، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح مسلم: {كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس} وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم الطائي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يدني الله عبده فيكلمه ليس بينه وبينه ترجمان يوم القيامة، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار، فاتقو النار ولو بشق تمرة}.
ولكن بماذا يكون تنفيس الكرب؟
قال أهل العلم: تنفيس الكرب بأنواع وأصناف منها: إطعام الجائع، فهو تنفيس كربة؛ لأنه ليس كل الناس يستطيعون الطعام أو يجدونه.
وبعض الناس إذا شبع وأصيب بالتخمة من الكبسات وشرب الشاهي بالنعناع، قال: الحمد لله نحن في نعمة من الله جزيلة، والناس في جنوب أفريقيا وفي موزنبيق يموتون جوعاً، ومن معه ومن في عمارته ويسكن بجانبه يموت جوعاً أو لا يجد هذا النعيم، فلذلك ورد عن أبي هريرة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {يقول الله عز وجل: يا بن آدم! جعت فلم تطعمني قال: وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟!
قال: إن عبدي فلاناً جاع فما أطعمته، أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي.
يا بن آدم! ضمئت فلم تسقني.
قال: كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟!
قال: ألم تعلم أن عبدي فلاناً ضمئ ولم تسقه، أما لو سقيته لوجدت ذلك عندي.
يا بن آدم! مرضت فلم تعدني.
قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟
قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض، أما إنك لو زرته لوجدت ذلك عندي، فيتمنى الناس بعد ذلك أنهم يعودون إلى الدنيا} وأنهم ملئوا أوقاتهم من الأعمال الصالحة.