في سنن أبي داود قال صلى الله عليه وسلم {من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب} فأوصي نفسي وإياكم أن من أصابه هم أو حزن أو غم بأن يكثر من الاستغفار، فإن فوائد الاستغفار وردت في كتاب الله عز وجل.
فمن فوائده كما في الكتاب بالاستقراء ثلاث فوائد:-
أولها: أن الكوارث والحوادث المؤذية لا تصيب المستغفر بإذن الله، قال جعفر الصادق: لو نزلت صاعقة من السماء لأصابت كل الناس إلا المستغفر.
فالكوارث الشنيعة والمحن والفتن لا تصيب المستغفر، مصداق ذلك في سورة الأنفال في قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] فالاستغفار كشف للبلايا والحوادث والأزمات.
ثانيها: من أراد سعة الرزق والعافية والمتاع الحسن فعليه بالاستغفار، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن المتاع الحسن والرزق والسعة في الاستغفار، وذلك أنه من داوم على الاستغفار فتح الله له فتحاً لا يخطر بالبال ولا في الخيال، ومصداق ذلك قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على لسان نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:10 - 13].
الأمر الثالث: جاء على لسان هود، يقول لقومه وهو يعظهم: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:3].
فإن مما يكشف الكرب ويحطها بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الاستغفار، واعلموا أنه قد وقع أناس كثيرون في الكرب والله عز وجل يكشفها عنهم.
فمن الكرب: القحط وما ينزل في الديار والبلاد ولا يكشفه إلا الاستغفار.
قالوا لأعرابي: ما للقطر لا ينزل في بلادكم؟ قال: هدأنا من الاستغفار فجف القطار، أي المطر.
[[وأنس رضي الله عنه وأرضاه مزرعته في البصرة - مزرعة من النخل- أصابها قحط، فقام فصلى ركعتين واستغفر قالوا: مالك؟ قال: أما سمعتم قول الله تعالى على لسان نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} [نوح:10] قال الرواة: فوالله إنه ما قام من مجلسه حتى أتت غمامة فطوقت على مزرعته وأمطرت حتى سالت جداولها، فنظرنا فإذا الماء داخل المزرعة ولا يوجد في خارج حدودها قطرة واحدة]] وهذا من الاستغفار والالتجاء.
وفي ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه وجعلها في الجنة إنه يقول: إنها لتعجم علي المسألة الواحدة فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر فيفتحها الله علي.
فبالله ما للذين يهتمون في قاعات الامتحان -وهم يجلسون كأنهم في ساحات الإعدام- لا يلتجئون إلى علام الغيوب؟ ما لهم لا يلتجئون إلى من عنده الفرج ومن بيده تسهيل القضايا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويستغفرون كثيراً ليفتح الله عليهم من فتوحاته؟
ابن تيمية -بالمناسبة- يقول عنه تقي الدين بن شقير: رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية ما تفتر لسانه عن ذكر الله، فقلنا له: يا أبا العباس! نراك لا تهدأ لسانك أبداً؟ قال: قلبي مثل السمكة، إذا خرجت من الماء ماتت، وأنا قلبي إذا سكت عن الذكر مات، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] قال تقي الدين بن شقير تلميذه: فخرجت وراء شيخ الإسلام مرة من المرات في حديقة من الحدائق بحيث أراه ولا يراني في غوطة دمشق، وقد كان شيخ الإسلام في الشام في سوريا في تلك الفترة؛ لأن دمشق هي العاصمة، فكان يرسل قذائف الحق من دمشق وقد أيده الله ورفع رايته، وقد أوذي في الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أيما إيذاء، ولكن بقي اسمه وذهب أعداؤه وخصومه فيقول: ذهبت خلفه فلما أصبح خالياً رفع طرفه ودمعت عيناه وقال: لا إله إلا الله.
وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا
وهذا البيت لـ مجنون ليلى، وهو يقوله لمحبوبته، ولكن فرق بين الودادين وما بين المحبوبين والمقصودين، فمقصود ابن تيمية: الواحد الأحد الفرد الصمد الحي القيوم ذو الغنى والقوة والعظمة، ومقصود ذلك عبد هزيل فقير لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.
يقول ابن القيم في روضة المحبين سئل ابن تيمية رحمه الله: لماذا يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45] لماذا أوصاهم الله بالذكر وقت المعركة، لماذا لم يوصهم قبل المعركة أو بعدها، فهو يقول: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال:45] أي: وقت ما يصل المؤمنون تجاه الكفار.
فقال ابن تيمية: إن العرب على عادتهم يفتخرون بذكر المحبوب وقت الأزمات، أما سمعت عنترة يقول:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
قال: فعوَّض الله المؤمنين بذكره وقت الأزمات، قال: يقول عنترة إنه يذكر محبوبته يوم يضارب ويوم تشجي السيوف وتتقطع على رءوس الأبطال، فيقول الله عز وجل: عوضاً عما يفعل أهل الضلالة والجهالة وأهل البغي والعدوان: عودوا أنتم إلى محبوبكم، ولذلك فعل الصحابة رضوان الله عليهم، حضروا في اليرموك فقال معاذ -وقد قرأ سورة الأنفال على رءوس الأشهاد فما بقى أحد إلا بكى -قال: [[قولوا: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقالوا: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله]] ثم هزموا جيشاً قوامه ثلاثمائة ألف، لكن من كان الله في ميزانه وفي حزبه فأنى يغلب، فهو القوة العظمى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟!