ومن أمور الاعتصام بالكتاب والسنة: تبليغ الكتاب والسنة للناس، قال عليه الصلاة والسلام: {بلغوا عني ولو آية} وهي أمور سهلة، وفي سنن أبي داود عن عبد خير قال: أتى علي بن أبي طالب فصلى بنا، ثم خرج إلى الرحبة، فأتى بماء فتوضأ، ثم قال للناس: {هكذا رأيت رسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ} وتطبيق الوضوء للناس سنة، وتعليم هذه الأمور، لأنه قد يلقي الإنسان محاضرات ولكن ليس فيها امتثال ولا تطبيق ولا روح فلا تنفع، بينما لو طبق مسألة كأن يصلي أمام الناس، أو يتوضأ أمامهم، كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام بأصحابه؛ لكان أجدى وأنفع، وهذا هو الأمر المطلوب في تبليغ السنة، وهو اليسر في تبليغها للناس، وهذا عهد من الله وميثاق أخذه على طلبة العلم، قال الله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] هذا باب الاعتصام بالكتاب والسنة، وأحسن من كتب عن هذا الموضوع لمن أراد أن يتوسع: الشاطبي في كتاب الاعتصام، وشيخ الإسلام في المجلد العاشر والحادي عشر، ومجلد الجهاد في الفتاوى، وابن القيم في زاد المعاد، والإمام البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، والقرطبي، وغيرهم من أهل العلم الذين كتبوا كتابات طيبة ومفيدة يحسن الرجوع إليها.
ولكن قد ترد بعض الأسئلة، مثل من يقول فعل بعض الصحابة أفعالاً ما فعلها صلى الله عليه وسلم؟
وهذا سؤال مطروح، وقد ناقشه الشوكاني في إرشاد الفحول، وغيره من العلماء، والفعل إذا فعله الصحابي وقد خالف الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا لا يلتفت إليه أبداً، وإذا فعل الصحابي فعلاً ودل عليه عموم؛ فإن هذا أمر اجتهادي من الصحابي قد يخطئ وقد يصيب، وإذا فعل الصحابي فعلاً وفعل صحابي آخر فعلاً ولم يتضح وجه السنة من فعليهما فهو أمر كذلك اجتهادي، ولكن على كل حال؛ الشوكاني وأبو زهرة لا يأخذون باجتهاد الصحابي إذا كان له اجتهاد خاص، مثل أقوال ابن عباس التي ينفصل بها في الفتيا، وهذا له مبحث، ولكن أريد أن أبين أن بعض الشواذ من أفعال الصحابة لا يقتدى بها، مثل: أن ابن عمر كان يغسل داخل عينيه في الوضوء حتى عمي، ومثل ما جاء أن ابن مسعود كان يصلي وسط الصف، يجعل جماعة عن يمينه وأخرى عن يساره ويكون الإمام في الوسط.
ويطبق بين كفيه في الركوع ويجعلهما بين ركبتيه ومثل: أن أبا هريرة كان يتوضأ إلى المنكب أو إلى الإبط، وهذا لم يفعله صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من الأفعال التي شذت من بعض الصحابة، فهذه لا يلتفت إليها، وندعو لهم، ونقول: هم مأجورون على كل حال، ولكن الرسول هو القدوة، ولا بد لأفعالهم من أدلة من الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أفعاله صلى الله عليه وسلم لا تفتقر إلى أدلة؛ لأنها دليل بذاتها.
وربما نسمع في الأسئلة ما خفي علينا في هذا الدرس، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.