الذي ذكرتُه في هذا العنصر: هو عنصر واحد من ثلاثة عناصر، سبق أن أسلفتُ الحديث عنه.
غربة أهل الإسلام بين سائر الأديان: وهذا أمر معلوم، موجود، وكثير مشهور، لا يحتاج إلى كثرة كلام.
وغربة أهل السنة بين أهل البدع: وهو هذا الذي يحتاج إلى غربلة وحديث كثير.
وغربة أهل الاستقامة بين أهل المعاصي: وأهل الفجور، والتفلُّت على أوامر الله، وتعدي حدود الله، وهو أمر لا بد أن يُتَنَبَّه إليه، وأن على المسلم -خاصةً المستقيم، الملتزم، طالب العلم، الداعية- أن يصبر، وأن يعرف أنه غريب، وأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يجزل له أجره، كما قال صلى الله عليه وسلم: {بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء} وفي لفظ: {قالوا: من هم، يا رسول الله؟ قال: النُّزَّاع مِن القبائل} ولكن هذه الرواية ضعيفة، وفي لفظ آخر: {هم الذين يتحابون في الله عزَّ وجلَّ لا على أي سبب من أسباب الدنيا} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقد وجد الغرباء في هذا العصر؛ غرباء في العالم دول العالم كافرة؛ إلا من رحم الله؛ وغرباء بين المبادئ الموجودة المطروحة في الساحة فهم غرباء من هنا ومن هنا، غرباء في أفكارهم لسوء أفكار أهل الضلالة، وغرباء في صلاتهم لسوء صلاة المنحرفين، وغرباء في استقامتهم لتدهور استقامة السيئين، وغرباء في كتبهم التي يقرءونها؛ لأن كتب أهل الضلال غير الكتب التي يقرءونها، وغرباء في مسيرتهم، وفي اتجاههم، وفي عقائدهم وتفكيرهم؛ لأنهم أهل الخير.
أنبه على مسائل:
أولها: أن الغريب قد يكون واحداً، وأهل السنة والجماعة قد يكونوا شخصاً واحداً أو أشخاصاً قلة، ولا يشترط الكثرة، وأهل السنة كلهم: كل مَن رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً صلى الله عليه وسلم، وكل من دان لله بالولاء، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالاتباع، وليست حكراً لأحد، أو لطائفة من الناس وإن ادعوا ذلك.
وكلٌّ يدَّعي وصلاًَ بليلى وليلَى لا تُقِرُّ لهم بِذاكا
فكل من حمل هذه المبادئ؛ فهو من أهل السنة والجماعة خفي أم ظهر، لبس لباساً يختلف عن لباس الناس، إن لم يكن محرماً أو لم يلبس؛ إنما المهم: أن يعتقد، وأن يعمل بما يعمله ويعتقده أهل السنة والجماعة، هذا أمر.
الأمر الثاني: أن الغربة تختلف نسبياً من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، وفي صور عن صور، وقد تكون في بعض الأزمنة غربة الإسلام:
في الحاكمية: ألا يُحَكَّم شرعُ الله في الأرض فهذه غربة في الحكم.
تكون غربة في الجهاد: ألا تُرفع رايةُ أن لا إله إلا الله في الجهاد هذه غربة في الجهاد.
فترة من الفترات: تكون غربة تطبيق السنة في حياة الأفراد هذه غربة السنة في حياة الناس.
فترة من الفترات: غربة في العلم، ونشر العلم، وهذه الغربة العلمية يوم لا ينشر العلم.
غربة مكانية: تنتشر السنة في مكان من الأمكنة؛ ولكن لا تنتشر في المكان الآخر.
في زمن تتقوى فيه السنة وتظهر؛ وتنهزم وتفشل في زمن آخر وهذه: غربة نسبية إضافية في زمن من الأزمنة.
إخوتي في الله! إن أعظم قضايا الحديث، هي: قضيةٌ رقيقةٌ من الرقائق: أن تكون غريباً، عن (إذا أصبحتَ لا تنتظر المساء، وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح).
والموتَ فاذكره وما وراءَهْ فمنه ما لأحدٍِ براءَةْ
وإنه للفيصل الذي بِه ينكشفُ الحالُ، فلا يشتبِهِ
والقبرُ روضةٌ من الجنانِ أو حفرةٌ من حُفَر النيرانِ
إن يكُ خيراً فالذي مِن بعدِهِ أفضلُ عند ربنا لعبدِهِ
وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وإن كان لي من شكر، فإني أشكر الله تبارك وتعالى، ثم أشكر القائمين على هذا المسجد؛ لدعوتهم، ولتسببهم في هذا الحضور، ثم أشكركم، أيها المسلمون الفضلاء النبلاء.
وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً.