ثم تستيقظ قبل السحر فتتوضأ وتصلي ما تيسر ولو ركعتين أو أربعاً، وتدعو الله عز وجل فإن وقت السحر وقت فاضل.
قلت لليل هل بجوفك سرٌ عامر بالحديث والأسرار
قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار
قال الله تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] قال الحسن البصري رحمه الله: [أمضوا الليل بالصلاة فلما أتى السحر استغفروا]] وقال بعض الفضلاء: عجيب، أنهم كانوا في عبادة وفي قيام، ومع ذلك في السحر يستغفرون.
وإنه لفضل عظيم أن تقوم بعد العبادة والتعب وتقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وكأنك كنت مقصراً، أو أتيت بمعصية، وهذه علامة التوفيق والقبول بإذن الله.
ثم تتسحر على بركة الله، والسحور فيه بركة، يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {تسحروا فإن في السحور بركة} وبعض الشباب يتعشون ولا يتسحرون، وليس المقصد هو الأكل لذاته، ولكن السحور له مقاصد، منها:
مخالفة أهل الكتاب؛ فقد جاء في السنن من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهو حديث حسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب أكلة السحر} فيجب علينا أن نخالف أهل الكتاب، فإذا شرقوا غربنا، وإذا غربوا شرقنا، إلا ما أتت فيه النصوص.
ومنها: أنك تدعو الله في السحور، ومنها: أنك تستعين به على طاعة الله؛ لأنه قد يطول عليك اليوم، فعليك أن تستعين بهذا السحور على طول النهار، ومنها: أنك تحمد الله على النعمة، ومنها: أنك تتبع سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
قيل لـ زيد بن ثابت، والحديث في الصحيحين {كم كان بين سحوره صلى الله عليه وسلم وأذان الفجر؟ قال: قدر قراءة خمسين آية} لله درك! ما أحسن هذه الإجابة! خمسون آية يقرؤها الإنسان بين سحوره عليه الصلاة والسلام إلى أذان الفجر، أي: بقدر ربع أو ثلث ساعة، ومن أكل حتى يؤذن فله ذلك، فإن بعض الناس يبقى يأكل ولا يكف، ثم يأتي يسأل ويقول: بقيت آكل حتى الإقامة، فما الحكم؟
وقد جاء عند أبي داود والحاكم: {إذا رفع أحدكم الإناء في يده وسمع الأذان فلا يضع الإناء حتى يقضي نهمته} وهذا إذا قدر أن الإنسان ضايقه الوقت وهو يأكل فرفع اللقمة فسمع الأذان، فله أن يأكل هذه اللقمة، أو رفع الإناء وسمع الأذان فليشرب، أما أن يستحدث عملاً بعد الأذان فلا لا يرفع لقمة، ولا يرفع إناءً بعد الأذان، لكن يأكل الذي في يده، وهذا رحمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمة، أن رخص لهم في هذا، وهذا هو الصحيح.
لكن أرى أن يكف المسلم قبل الأذان بثلث أو ربع ساعة، يتأمل فيها ويستغفر، ويتوضأ ويبادر إلى المسجد، وحذار أن ينام -وهذا ليس محرماً لكن خشية أن تفوت صلاة الفجر جماعة- بين السحور والفجر، بل يذهب متوضئاً إلى المسجد، وينتظر صلاة الفجر مهللاً مكبراً داعياً مولاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويحضر صلاة الفجر في جماعة.
هذا جدول نسبي تقريبي يقبل وجهة النظر، ولعل هناك جدولاً أحسن منه، ولكن هذا إنما هو من باب التواصي.