وقف عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة على المنبر في مسجده في عز الصيف، وفي شدة الحرارة، يقول أنس: والله ما في السماء من سحابة ولا غيم ولا قزعة، وبينما هو يخطب عليه الصلاة والسلام، بين يديه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، والشهداء والأخيار، وهو في أثناء الخطبة دخل أعرابي من البادية، من الباب الغربي للمسجد، فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يغيثنا؛ فقد تقطعت السبل وجاع العيال وضاع المال، فوالله ماتلعثم عليه الصلاة والسلام الصلاة، ولا توقف ولا فكر، وإنما رفع يديه في أثناء الخطبة، ثم قال: {اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا} قال أنس رضي الله عنه وأرضاه: والله الذي لا إله إلا هو، ما في السماء سحاب ولا غيم، ولقد أزبدت السماء وأرعدت في لحظات، ثم أمطرت والله ما نزل عن منبره إلا والمطر يتحدر على وجهه الشريف، وهو يتبسم من هذه النعمة ويقول: {أشهد أني رسول الله}.
ونحن نشهد أنك رسول الله، ونشهد أنك بلغت الرسالة، ونحن نشهد أنك أديت الأمانة، وأنك دللتنا على طريق الجنة، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً، وفي الجمعة الثانية قام عليه الصلاة والسلام يخطب، فدخل ذاك الأعرابي من نفس الباب، فقال: يا رسول الله! جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل من كثرة الأمطار، فادع الله أن يكف عنا الغيث، فرفع صلى الله عليه وسلم وعليه وسلم يديه وهو يتبسم من هذا الأعرابي الذي أتى أولاً يطلب الغيث ثم هو يريد رفع الغيث، وهو يقول: {اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر} قال الصحابة: والله الذي لا إله إلا هو ما أشار إلى مكان إلا وقع فيه الغيث.
معجزاته عليه الصلاة والسلام عند أهل العلم في الإسلام ألف معجزة وأكثر، كل معجزة تكفي إلى أن يسلم بها الكافر، ويذعن لها المتكبر، ويدخل بها الفاجر في الدين.
وكان له جذع نخلة يخطب عليه يوم الجمعة بأبي هو وأمي عليه أفضل الصلاة والسلام فقال للأنصار: اصنعوا لي منبراً أخطب عليه، فأتوا بمنبر من خشب، فلما قام يخطب عليه وترك الجذع الأول -جذع النخلة- قال جابر بن عبد الله: فلما تركه سمعنا للجذع حنيناً كحنين الإبل، وبكاءً كبكاء الأطفال، حتى سمعه أهل المسجد.
جذع من خشب يبكي للرسول عليه الصلاة والسلام، هذا الحديث في البخاري ومسلم، قال: فانحدرت دموعه عليه الصلاة والسلام ونزل إلى الجذع يدهدهه، ويسكته:
يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أخذ يدهده العود ويقول: اسكت بإذن الله أنا رسول الله حتى سكت.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:1 - 3] خرج عليه الصلاة والسلام على كفار قريش وهم في الحرم، فقال: {يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، يا أيها الناس! لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا أيها الناس! إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قال أبو جهل: لا أسلم لك، ولا أومن لك، ولا أصدقك حتى تشق لي القمر ليلة أربعة عشر، والقمر في سماء مكة، فقال عليه الصلاة والسلام: إن شققته أتسلم وتؤمن؟ قال: نعم، فدعا ربه صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم شق هذا القمر، ثم أشار بيده فانشق القمر فلقتين، فلقة ذهبت إلى عرفات، وفلقة ذهبت إلى جبل أبي قبيس، قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، فقاموا ينفضون ثيابهم ويقولون: سحرنا محمد، سحرنا محمد}.
فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [القمر:1 - 4] جاءهم والله بآيات يشيب منها الوليد، ويسلم منها الكافر، جاءهم والله ببينات ومواعظ تتدكدك منها الجبال، لكن أين القلوب؟ فما أسلم إلا القليل.