كذلك من الأخطاء: النوم في النهار.
الله سبحانه وتعالى جعل الليل سباتاً والنهار معاشاً، وهؤلاء حولوا الليل إلى النهار، فجعلوا النهار نوماً، والليل ضياعاً، فتجد بعضهم ينام النهار كله، فلا يجد جوعاً ولا ظمأً ولا مشقةً، وقبل الغروب يستيقظ من نومه وكسله وخموله، لا قرأ قرآناً، ولا ذكر ذكراً، ولا تنفل بنافلة، ولا دعا الحي القيوم.
فمن الأخطاء الوخيمة: كثرة النوم في النهار، وقد رأيت لبعض الفقهاء من الشافعية تساؤلاً: من نام النهار كله هل يصح صومه أم لا؟ وهو استفتاءٌ عجيب، والحنابلة يرون صحة صومه، وكأن هذه المسألة مثل مسألة الجرباء: هل يجوز أن يضحى بها أم لا يجوز؟ أما الأجر فشيئٌ آخر.
إنسان ينام من بعد صلاة الفجر، ولا يستيقظ إلا للظهر والعصر، ثم ينام إلى المغرب! أين معاني الصيام؟ لأن من معاني الصيام أن تذوق الجوع كما ذاقه الفقراء، والمساكين، وأن تذوق الجوع كما ذاقه أطفال اللاجئين والمجاهدين.
ومن معاني الصيام: أن يكسر شهوتك وشبهتك، وأن يرد قلبك إلى الحي القيوم؛ لأن الله يقول: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] وهذا لا يحصل إلا بالصيام، وأن تذوق الجوع؛ لأن كثيراً من الناس لا يعرف الجوع، يعيش أربعين سنة لا يجوع، يعيش مدللاً، لا الشمس تمسه، ولا الجوع يذوقه، ولا الظمأ يحس به، في نعيم مقيم، الموائد والأكلات والشراب والثياب والنعيم، فأراد الله أن يذيقه الجوع ليعرف جوع الجائعين.
يذكرون أن ملكة بريطانيا في عهدها قام الناس متظاهرين يطلبون الخبز، -أهل الشارع الجمهور ماتوا ويريدون كسرة الخبز اليابس- فحفوا بقصرها يقولون: الخبز الخبز، فخرجت من النافذة، وقالت: لماذا لا يأكلون البسكويت حتى يأتي الخبز؟ لو كان هناك بسكويت ما طلبنا الخبز فأهل النعيم والترف يظنون أن الناس كلهم مترفون، فلا بد أن يذوقوا الجوع، ولا بد أن يروا الذين ينامون على الأرصفة أطفال أفغانستان، والجائعين في السودان، واللاجئين في أنحاء الأرض الذين لا يجدون كسرة الخبز.
وجاء في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء} فالصوم يكبح جماح الشهوة العارمة، ويحد من طغيان النفس، ويسدد مسالك الشيطان التي يجري فيها؛ لأن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، والصائم إذا صام قلَّ طعامه وشرابه، فضمرت عروقه من الدم، فقلَّ سعي الشيطان فيها.
وقد سمعت كلمة لعالم أعجبتني، وهو عالم مطِّلع، يعرف الإعجاز العلمي، وهذا إنما هو من الورد الذي يشم ولا يؤكل، يقول: إنما جعل -صلى الله عليه وسلم- صيام الثلاثة الأيام البيض؛ لأن المد يكثر فيها، فالبحر يمد في الليالي القمراء بسبب جاذبية القمر -بقدرة من الباري سبحانه- ويصيبه الجزر في الليالي الظلماء، قال: والدورة الدموية مثل مد البحر، تمتد مع الثلاثة أيام، الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر مع القمر، فيزداد ضخ الدم، ويزيد الشيطان من عتوه وتمرده، فطالب صلى الله عليه وسلم المسلم -من باب الاستحباب- أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وهي أيام البيض، وهذا جيد، ولا يعارض النصوص والحمد لله، وفيه خير كثير إن شاء الله.