Q بعض من تسموا بطلبة العلم، وهيأت لهم الدولة كل الوسائل، ومع ذلك نائمون في سباتهم لا يعملون لطلب العلم ولا التحصيل، وهم أصبحوا عالة على مجتمعاتهم، ووبالاً على أمتهم فما حكم الشرع فيهم؟
صلى الله عليه وسلم أنا أشاركك في الفكرة أنه وجد في المجتمع من أهل التقصير كثير ممن هيئت لهم الأسباب، وتهيئة الأسباب توفيق من الله عز وجل ثم من أهل الخير القائمين على ذلك فنحمد الله عز وجل على ذلك، ووجد أن هناك كسلاً، يعرف ذلك من يعايش التدريس، أو من يصحح في الامتحانات أو يرى في المقابلات المستوى العلمي الهابط، والسبب في ذلك الزهد في طلب العلم وكثرة المثبطات، ربما يرتاح كثير من طلبة العلم بالجلوس ساعة أو ساعتين على شرب إبريق من الشاي، وفي هذا الوقت ألف ابن تيمية كتاباً كاملاً وقد سلف في مناسبات أنه ألف كتاب التدمرية من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، وقرأناه سنة فما فهمناه لأنها {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25] فالوقت الضائع هذا سببه الخمول والكسل وعدم معرفة طرق التحصيل، وهذه الكليات والمعاهد والمؤسسات العلمية إنما تعطي الإنسان أموراً تجريبية واستقرائية ومفاتيح لطلب العلم، أما العلم الغزير، والتحصيل العلمي، وتحقيق المسائل فلا يحصل إلا بمدارسة الكتب ومراجعة طلبة العلم والعكوف في البيت مع المكتبة، وحضور الجلسات وندوات الخير والمحاضرات والدروس وكثرة التعليم والتحقيق والمسائلة والمذاكرة، أما أن يبقى الإنسان هكذا! فلا يمكن أن يحصل على طائل من العلم، وقد يكون عنده نسبة من العلم، لكن قال أحد الحكماء: يُهلك الأجسام نصف طبيب، ويهلك الأديان نصف عالم، ويهلك الجيل نصف مربي، لأنه يريد أن يوجههم وما عنده إلا نصف فقط فلو كان جاهلاً لاعتذر وقال سامحوني ما عندي تربية.
ونصف عالم يهلك الناس ولو كان جاهلاً لتعلم أو لتواضع وعرف نفسه، ولو كان عالماً لأفاد لكن يرى أنه عالم وهو ليس بعالم هذه هي المشكلة.
وأسباب التحصيل تندرج في أمور:
الأمر الأول: تقوى الله الواحد الأحد، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم تقواه.
الأمر الثاني: كثرة التوبة والاستغفار.
الأمر الثالث: أن يكون لك همة في طلب العلم ولا تقل كبرت ولا شخت ولا شبت فأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام تعلموا العلم كباراً.
الأمر الرابع: أن يكون لك مكتبة سمعية ونظرية تقرأ وتسمع، ويكون شغلك الشاغل هذا، ثم يكون لك مذاكرة مع طلبة العلم واستحضار، ولا تفوتك أي فائدة، ولا بد أن تعلق وتقول دائماً: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114].
وأسباب حفظ العلم كما يقول ابن هبيرة الحنبلي صاحب الإفصاح: أسباب تحصيل العلم وحفظه ثلاثة:
السبب الأول: العمل بالعلم: فإذا عملت أنت بالأحاديث حفَّظك الله الحديث، والذي يريد أن يحفظ كتاباً في الذكر لكنه لا يقرأ الأذكار الصباحية والمسائية وعند النوم وعند القيام فإنه لن يحفظه بل ينساه.
السبب الثاني: التصنيف: إذا بلغت إلى درجة أن تبحث المسألة وتحققها فهذا يثبت معك العلم لأنك تخرج الحديث وتراجعه وتحققه وتسأل عنه وتبحث فيثبت ويرسخ.
السبب الثالث: التعليم: تعليم الناس نحن نقول إننا لسنا أهلاً لأن نجلس أمام هذه الوجوه لأن في الجمع من هو أعلم منا؛ لكن ليثبت العلم ولأن الإنسان يشحذ نفسه إذا علم أن عنده درس أو عنده إلقاء أو محاضرة أو كلمة فتراه راجع المسائل وحقق الأحاديث ورجع إلى التراجم، وأما إذا لم يعلم أن وراءه طلب ولا كلمة ولا درس فقد لا يهتم بهذا، فالعلم يحفظ بالتعليم والتصنيف والعمل به، فيدعو طلبة العلم إلى أن ينفقوا مما أعطاهم الله عز وجل ويزكوا هذا الميراث وهذا الكنز الذي معهم وهو الدعوة إلى الله عز وجل، ومن كان في قرية أو مدينة أو بادية أو ضاحية فإذا ذهب إلى أهله فليكن رسول خير وداعية إسلام يتحدث بما سهل الله عز وجل، فإن الناس لا يريدون كثرة علم، يريدون أي حديث بشرط أن تكون مخلصاً صادقاً متمكناً مما تقول، تسأل الله منه المثوبة وحسن العرض وحسن الخلق للناس فسوف يستفيدون: {بلغوا عني ولو آية} {نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع}.
أسأل الله لي ولكم القبول والهداية والرشد، وأن يعيننا وإياكم على الدنيا والآخرة، ويسهل لنا أمورنا جميعًا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.