وذكر البخاري في أهل المصائب في أعضائهم جوارحهم أبواباً منها:
فضل من ذهب بصره: وقد أورد حديث أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله عز وجل يقول: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة} والحبيبتان: العينان، لأنهما من أحب الأعضاء عند الإنسان وهما النوران والجوهران، ولقد ابتلى الله بذهاب العينين كثيراً من الناس لرفع الدرجات منهم: ابن عباس الحافظ العالم صاحب الدراية والرواية المفسر الكبير رضي الله عنه وأرضاه، فقد ذهب بصره في آخر حياته، فدخل على قوم فكأن بضعهم شمت به، وقال: لا تصاب بمكروه يا ابن عباس! ففهم ابن عباس، فقال:
إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مشهور
يقول: إذا أخذ الله هاتين الحبيبتين فقد عوضني الله خيراً منهما، والله إذا أخذ شيئاً عوض خيراً منه، قالوا لأحد العمي وكان مزاحاً: ما الذي عوضك الله يوم أخذ بصرك؟ قال: لئلا أرى من أمثالك أحداً، فمما يعوض الله الأعمى: الحافظة
.
ومنها: أن الله عز وجل قد يعلم أن هذا العبد خير له أن يذهب بصره لئلا يرى المفاتن والمحرمات وينتهك حدود الله عز وجل، ولكي تزهد نفسه في الدنيا وليبني له الله قصراً مشيداً في الجنة، وليكفر عنه سيئاته والعوض العظيم هو الجنة: {إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة} وورد عند الترمذي في الإصابة بالولد، قال صلى الله عليه وسلم: {يقول الله عز وجل لملائكته وهو أعلم: قبضتم ابن عبدي فلان؟ قالوا: قبضناه، قال: قبضتم ثمرة فؤاده؟ قالوا: نعم.
يا رب، قال: فماذا قال عبدي؟ وهو أعلم.
قالوا: حمدك واسترجع -أي قال: الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون- فقال الله عز وجل لهم: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد} جزاء ما صبر وحمد الله عز وجل.