حقيقة الشهيد

الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وسلم، حامل لواء العز في بني لؤي، وصَاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيد بجبريل، المعلم الجليل، صلى الله وسلم عليه كلما تضوَّع مسك وفاح، وما غرد حمام وصاح، وكلما سجى بلبلٌ وناح، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسيناً

لم يبلغ العشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا

أكرر سلامي ثانية وثالثة ورابعة بلا انتهاء؛ لماذا؟ لأنكم تركتم بيوتكم ووظائفكم وأعمالكم وتركتم كل ما يلهيكم وأتيتم إلى مجلس من مجالس الذكر؛ لأنكم جلستم تستمعون لـ (لا إله إلا الله) ولـ (قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم)؛ لأنكم جلستم هنا تعلنون أن الانتصار للإسلام، وأن البقاء للإسلام، وأن الفجر والمستقبل للإسلام، ثم لي عطفة وشكر لنادي الشهيد، ولي معهم وقفة، فشكر الله لهم أن فعلوا هذا وليس بغريب عليهم، فالأصل فيهم أن يفعلوا هذا، هم وجدوا من أبناء أناس يحملون لا إله إلا الله، هم أبناء قوم يسجدون لله، هم من أصلاب قوم شهدوا أن لا إله إلا الله، وزعوا لا إله إلا الله على البشرية، فهم أبناء خالد وصلاح الدين وطارق.

نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عموداًَ

فليس بغريب أن يجمعونا ليسمعوا قول ربنا تبارك وتعالى، فلا والله ما خلقنا للعب، وما خلقنا للهراء، وما خلقنا للضياع، خلقنا أمة رسالة، ومبدأ، ومنهج.

أقول لأهل نادي الشهيد: مَن هو الشهيد؟ من هو الشهيد الذي جعلتموه عنواناً لناديكم ونسبتم ناديكم إليه؛ لأن الشهداء في الساحة كثير، أنا سمعت إذاعة شيوعية ملحدة تتبع لإذاعة موسكو -إذاعة استالين وماركس ولينين وهرتزل - أعداء البشر، سحقت الإنسان، وأكلته وقتلته، والمذيع يقول في أحد الشيوعيين لما قُتِل اغتيالاً: لقد ذهب الشهيد وحُمِل على الأكتاف إلى مثواه الأخير.

وسمعنا وقرأنا في بضع الصحف أن فناناً سَقَط من مكان فقالوا: شهيد الفن، وآخر سموه شهيد الأغنية، وثالث سموه شهيد المرأة، وشهيد الحب، وشهيد الجمال.

فمَن هو الشهيد يا أهل نادي الشهيد؟

الشهيد: هو الذي بذل مهجته لله، الشهيد هو الذي باع روحه من الله، الشهيد هو الذي سكب دمه في سبيل الله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الشهداء: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69] فأنتم -يا أهل نادي الشهيد- كأنكم تريدون أن الشهيد هو الذي يرفع دينه، ويسجد لربه، ويبذل نفسه، ويبيعها من الله.

ثم أشكركم ثالثة لأنكم جعلتم هذا الجمع تحت سقف السماء ما أدخلتمونا بيتاً ولا صالة ولا قاعة، أجلستمونا هنا لنتفكر في آيات الله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20] فنحن نتأمل في هذه الليلة عظمة الباري، نحن نقرأ التوحيد هذه الليلة في النجوم وفي القمر في النسيم العليل وفي خضرة الأرض وفي الجبال التي تلوح يمنة ويسرة في كل شيء.

وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحدُ

فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ

فالآن أنا أدعوكم أن تأخذوا من بيوتكم درساً في التوحيد، وأن تنظروا إلى مَن رَفَع السماء، مَن زينها بهذه النجوم! مَن جملها! مَن أبدعها! مَن ركَّبها بلا عمد! وانظروا إلى الجبال مَن أرساها! مَن سواها، مَن صبَّها في أمكنتها! تبارك الله.

وانظروا إلى الخضرة مِن حولكم، فوالله إنها لآيات عجيبة! وإنها لفرصة أن تجددوا توحيدكم وإيمانكم وإخلاصكم وعقيدتكم.

في الصحيحين عن أنس قال: {قدم رجل من العرب - ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه، قدم يريد توحيداً وإيماناً، ويريد أن ينجو بنفسه من النار- فلما تخطى الصفوف والرسول صلى الله عليه وسلم جالس بين الناس متكئاً قال: أين ابن عبد المطلب؟ - أي: الرسول عليه الصلاة والسلام - قالوا: هو ذاك الأبيض الأمهق المرتفق، قال: يا ابن عبد المطلب! قال: قد أجبتك، قال: إني سائلك ومشدد عليك في المسألة، قال: سل ما بدا لك.

قال: يا رسول الله! مَن رفع السماء؟ قال: الله، قال: مَن بسط الأرض؟ قال: الله، قال: مَن نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمَن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ فتربع وقال: اللهم نعم.

قال: أسألك بمَن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم.

قال: أسألك بمَن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأخذ من أغنيائنا صدقة فتردها على فقرائنا؟ قال: اللهم نعم.

فلما انتهى من أركان الإسلام، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، أنا ضمام بن ثعلبة أخو سعد بن بكر، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص ثم وَلَّى، فقال عليه الصلاة والسلام: مَن سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا.

وفي لفظ: أفلح ودخل الجنة إن صدق}.

يا حبذا الجنة واقترابُها طيبة وبارد شرابُها

ويا حبذا النفوس المؤمنة، ويا حبذا الذين عرفوا الله ولقاء الله.

وكلمتي هذه الليلة أوجهها إلى ثلاثة أصناف: إلى الشيوخ الكبار، وإلى الشباب، وإلى النساء.

إلى الشيوخ، كبار السن، أهل الشيب، من انحنت ظهورهم، من امتدت فقراتهم، وتعبوا من الحياة، وملوا منها، ومن سئموا من أيامها.

وإلى الشباب، إلى الذين هم في أول الطريق، إلى الذين ترفرف نفوسهم، إلى الذين تلمح نفوسهم الشهوات، ويريدون أي شيء في الحياة.

وإلى النساء، إلى إماء الله في بيوت الله، لعل هذا الشريط أن يبلغ النساء، ولعل المرأة المسلمة أن تسمع هذا الشريط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015