مسألة عدم الاهتمام بالنوافل بعد الفرائض، لقد وجد شباب مسلم متجه إلى الله، يعمل بالسنة حتى في الثوب واللحية والسواك، وهذا أمر يبشر بالخير ويرفع الرأس، فنحمد الله على ذلك، لكنَّ هذه الاستقامة الظاهرية تحتاج إلى نوافل وإلى وقود، وإلى تربية روحية، فيا طلبة العلم! هل سألنا أنفسنا عن قيام الليل؟ هل سألنا أنفسنا عن ركعتين في السحر حين ينزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى السماء الدنيا؛ نزولاً يليق بجلاله، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟
هل قلنا لأنفسنا: هل قمنا في السحر فرفعنا أيدينا وكفينا وقلنا: يا رب: يا فتاح يا عليم! افتح علينا وعلمنا؟ هل شكونا على الله ما نلاقي من صعوبات؟ هل شكونا عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذنوبنا وخطايانا؟ هل سألناه العفو والمغفرة؟
قلت لليل هل بجوفك سرٌ عامرٌ بالحديث والأسرار
قال: لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسمار
ركعتا الضحى، فهاتان الركعتان كانتا من أحب شيء عند السلف الصالح، ولا تأخذ منا إلا دقائق، وهي صلاة الأوابين، وهي تعادل ثلاثمائة وستين حسنة، وتكفِّر من الذنوب ما الله به عليم، هل توضأنا في الضحى يوم يشتغل أهل الوظائف في وظائفهم، وأهل الدور بدورهم، وأهل الأعمال بأعمالهم، فتوضأنا وصلينا ركعتي الضحى؟
القرآن كلام الله عز وجل، هذا الكتاب الخالد، بالله هل سألنا أنفسنا كم لنا من ورد في اليوم والليلة؟ سمعنا أن طالب علم يقول: والله لقد مرت بي ستة أشهر ما قرأت في المصحف، سبحان الله! ستة أشهر ما وقعت عيناك على النور وعلى الصراط المستقيم! ستة أشهر ما وقعت عيناك على كلام الله! وعلى الدواء والبلسم الشافي! ستة أشهر وأنت ما أوردت نفسك وأدخلت في قلبك هذا النور الوهاج! ستة أشهر وأنت تعيش الحرمان والوحشة!
نعم.
وجد من يغلِّب المجلات الإسلامية وأنا أقول: المجلات الإسلامية، وما بالكم إذا كانت المجلات الخليعة، مجلة المرأة الخليعة الماجنة، مجلة البعد والفحش والشر والخبث، هذا لا يتكلم معه في مثل هذه الجلسة؛ لأنني أتكلم في المعهد العلمي في مهبط الوحي في مكة لا أتكلم في هذه الناحية أنه بعيد أن يوجد منا من يغلِّب المجلة الخليعة على القرآن! لكن وجد من يأتي بالمجلة الإسلامية، فتأخذ من وقته الساعات، ثم ينام وما قرأ شيئاً من كتاب الله، سبحان الله! روحك القرآن وهو نورك وطريقك.
سمعتك يا قرآن والليل سابح سريت تهز الكون سبحان من أسرى!
فتحنا بك الدنيا فأشرق نورها وسرنا على الأفلاك نملؤها أجرا
فيا سبحان الله! ما هو واقعنا إذا تركنا القرآن؟ وما هي بيوتنا؟ والله تصبح بيوتنا أرخص من الرخص، تصبح بيوتاً ماجنة وحقيرة وهزيلة وصغيرة، وتصبح قلوبنا كتلة من اللحم.
فالقلب إذا لم تدخل فيه القرآن أصبح كالبيت الخرب.
في الترمذي عن ابن عباس مرفوعاً: {إن الذي ليس في قلبه شيء من القرآن كالبيت الخرب} يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا البقرة وآل عمران، اقرءوا الزهراوين؛ فإنهما يأتيان، أو تأتيان كغمامتين، أو غيايتين، أو فرقان من طير صواف}.
فالله الله في الإقبال على العلم الشرعي، فهذا من التحصيل العلمي الشرعي وحفظ الأوقات، ووجد كذلك في الساحة الإسلامية تغليب النوافل وكثرة الذكر والأوراد الصباحية التي صح عن الرسول عليه الصلاة والسلام قولها بعد الفجر وبعد المغرب وعند دخول المسجد وعند الخروج.
أطالب علم وفي المعهد العلمي وليس له أوراد من الذكر؟! نام طالب عند الإمام أحمد، وكان هذا الطالب مسافراً، فوضع له الإمام أحمد ماءً عند الباب؛ ليستيقظ ويصلي في الليل، فقام الإمام أحمد ورأى الماء ولم يصل هذا الطالب، قال الإمام أحمد: سبحان الله! ما صليت البارحة؟! قال: أنا مسافر، قال: سبحان الله! طالب علم ليس لك ورد بالليل!
مسروق بن الأجدع العالم العراقي، من يوم خرج من العراق إلى أن حج ورجع من مكة ما نام مضطجعاً، إنما إذا أراد أن ينام صلَّى ثم نام ساجداً.
لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه
كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعةٍ فما سقطنا لأن الحافظ الله