عدم الانضباط في فن واحد من العلم

من الأخطاء كذلك في طلب العلم: عدم الانضباط في فن واحد، وعدم المسار الصحيح في التلقي، تجده يدرس اليوم فقهاً وغداً حديثاً، ينتقل من كتاب إلى كتاب، فيحصل معلومات عامة من كل بحر قطرة، عنده حديث من فتح الباري، وعنده مسألة من المغني وعنده تحقيق وخلاف من نيل الأوطار، وعنده حفظ يحفظه في بلوغ المرام، وعنده مراجعة في رياض الصالحين؛ يقول ابن القيم في الفوائد كما قال الأول:

ومشتت العزمات ينفق عمره حيران لا ظفر ولا إخفاق

وكثير من الشباب حيران لا ظفر ولا إخفاق، لارسب رسب، ولا نجح نجح إنما هو بين بين، ليس متأكداً أن يكون عالماً، وليس متأكداً من أن يكون جاهلاً، يقول:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا

قرأت في السير في المجلد التاسع عشر، وجعلت على ذلك علامة حتى لمن أراد أن يراجع في سير أعلام النبلاء أن جد ابن العربي قرأ صحيح البخاري سبعمائة مرة ذكره الذهبي وكان أحد النظار في النحو لا أدري أهو ابن الشجري أم ابن الخشاب يقولون: كنا ندخل عليه البيت وهو يقرأ في كتاب سيبويه ونخرج وهو يقرأ، وكان إذا سافر أخذه معه، وإذا نزل، أو حل أو ارتحل أخذه معه، حتى كاد يحفظه عن ظهر قلب، هذا هو الصبر والجلد، أعرف شخصاً في الرياض عالماً قرأ المحلى لـ ابن حزم بتركيز وتأمل وعمق خمس مرات، وهذه تخرج علماء، قضية الصبر والإلحاح والجلد على التحصيل، وانظر لمن يشتغل في الأمور العامة، كصانع الطوب مثلاً، والفلاح والنجار والخباز والغسال، عندهم من الجلد والصبر، وعندهم من الجهد والعرق ما ليس عند طلبة العلم.

فيا أيها الإخوة: الله الله في عدم الملل:

اطلب ولا تضجر من مطلبٍ فآفة الطالب أن يضجرا

أما ترى الحبل بطول المدى على صميم الصخر قد أثرا

وقرأت في ترجمة أبي إسحاق الشيرازي من الشافعية، صاحب المهذب، أنه يقول: كنت إذا أردت أن ألقي درساً على تلاميذي كررت الدرس مائة مرة، وقال: كنت أحفظ القياس في شبابي فأكرر القياس الواحد ألف مرة، هكذا ذكره النووي وذكره عنه كذلك الذهبي؛ هذه مسألة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015