فالذي يطلب منا -وهو المطلوب من القرآن قبل أن نعرف الفاعل والمفعول به والحال والتمييز- أن نعرف ما هو حظ قلوبنا من القرآن، وما هو حظ القرآن من قلوبنا، وأن نأتي إلى أمراض هذه القلوب فنضع عليها دواء القرآن، وبلسمه وعلاجه علَّ الله أن يشافينا، فإن قلوبنا أصبحت مريضة.
والمرض ذكر في القرآن على ثلاثة أضرب:
1 - مرض الجسم: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء:43].
2 - مرض القلب وهو على قسمين: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في مرض الشك والشبهة والنفاق، ومرض التكذيب بالرسول عليه الصلاة والسلام: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10] وقال في مرض الشهوة، وحب الفاحشة: {وَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32].
إذاً: فما هو العلاج؟ العلاج القرآن والدعاء والذكر والتسبيح، والعلاج الصلوات الخمس جماعة، والتوبة النصوح، فلو خرجنا -وهذا معلوم- نستسقي وندعو ونرفع أكفنا، لكن أما أكلنا الربا؟! أما فشا الزنا؟ أما انتشر الغناء؟! أما كثر الكذب؟! أما عق الوالدان؟ أما قطعت الأرحام؟! فنعود من المصلى ولم تنزل قطرة، جفت الآبار، وانقطعت الأمطار، وذبلت الأشجار، وذهبت الأزهار، ونشكو حالنا إلى الواحد القهار.
لكن علينا أن نقوم بالإصلاح: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] لا نقل في الدنيا: نفسي نفسي! بل نقول نفسي نفسي في الآخرة، لو قام كل منا بحكمة وبعقل وبروية وبنية وحسن خلق وأرشد، وقدم إلى المجتمع كلمة نصح، لكنا والله في أحسن حال، كم في هذا المسجد في هذه الجلسة، لو تبرع كل واحد منا إذا مر بالسوق أن يقول كلمة حسنة، يرى امرأة متبرجة فينهاها، يرى رجلاً يروج لشريط الأغنية الماجنة الخليعة، فينهاه وينصحه بتقوى الله، يرى مجلة خليعة تباع في الأسواق فينصح صاحبها، يرى المرابين فينصحهم، يرى من يروج للزنا، من يعق والديه، من يقطع رحمه.
ولكان النصح قد تكرر كثيراً، فيتكرر عليه في اليوم الواحد عشر مرات فيتنبه، تمر به أنت فتنصحه، وأمر به أنا فأنصحه، والثالث والرابع والخامس فسوف ينتبه، لكن رضينا بكثير من المنكرات وسكتنا، وقلنا: للدعوة أناس، وأهل العلم مسئولون عن هذا، وأنت والله لا تبرأ ذمتك حتى تقدم كلمة وتنصح وتوجه! ونحن لا نقول: قاتل الناس أو شاتمهم أو سبهم، أو هدِّم بيوتهم، ولكن نقول لك: قُدِ الناس إلى الجنة، وأنقذ الناس من النار، بصر الناس بطريق الواحد الديان سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهم سوف يستمعون لك إذا علموا منك الإخلاص والصدق، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {بلغوا عني ولو آية} ويقول: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان،} {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79].
فيا أيها الإخوة: لا يفوتني في هذه المناسبة التنبيه بأن نستفيد من هذه الدروس ومن سماع آيات الله عز جل، وأتوجه إلى الحي القيوم بأسمائه الحسنى، وأتعلق بكل اسم له، وبكل صفة مثلى له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أن يرحمني وإياكم وكل مسلم رحمة عامة، ورحمة خاصة، وأن يملأ قلوبنا إيماناً ويقيناً ومحبة له ولرسوله، وأن يطهر قلوبنا من الشك والريبة، والنفاق والكفر، والمعصية والفاحشة، ونسأله فتحاً مجيداً، وتوفيقاً، وحظاً سعيداً، وبصيرةً وفقهاً في الدين.
ونسأله رحمةً عامةً وخاصة، ونسأله أن يجعلنا من المؤمنين الذين عملوا الصالحات، الذين تجري من تحتهم الأنهار: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25].
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.