Q هل هذا حديث (أفعمياوان أنتما؟) وما صحته؟
صلى الله عليه وسلم هذا حديث: {أفعمياوان أنتما} وهو عند الترمذي، وعند غيره من أصحاب السنن {أن عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه وأرضاه، دخل على أم سلمة، ومعها إحدى نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: احتجبن عنه، فقالتا: يا رسول الله إنه أعمى، قال: أفعمياوان أنتما}.
هذا الحديث صححه بعض أهل العلم وضعفه البعض الآخر، والذين ضعفوه لهم فيه علل ثلاث، قالوا: فيه انقطاع، وفيه سعيد بن مدرك، وفيه ابن المنصور كذلك، والراوي الذي روى عن عائشة لم يدركها، فهي علل ثلاث، وقد رأيت كلام الألباني في إرواء الغليل يقول: القصة صحيحة، لكن هذا اللفظ ليس بصحيح، هذا كلام الألباني، والذين صححوه، صححوه لمجموع طرقه، والذي يظهر والمرجح، ولكل إنسان وجهة نظر ونظرة خاصة لأنها قاعدة في مصطلح الحديث (التصحيح والتضعيف يقبل الاجتهاد) فلا يُلام إنسان أن يصحح حديثاً يوم الجمعة، ثم يأتي خطيب ويقول: هذا حديث ضعيف، فإنه يقبل الاجتهاد، كما يجتهد الإنسان في الفروع، ومدارك الناس تختلف، ومشاربهم تتفرق، ثم إن بعض الناس يصل عندهم من العلم وجمع الطرق، ما لا يصل عند الآخر.
إذا علم هذا فإن الظاهر في هذا الحديث الضعف، وهو ضعيف بلا شك، ودل على ضعفه حديث صحيح وفيه يقول صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة بنت قيس لما أمرها أن تعتد من زوجها: {اعتدي عند أم شريك ثم قال: إنها امرأة يغشاها الناس -أي: يأتيها الناس وكانت كبيرة- فقال: اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين عنده ثيابك ولا يراك}.
فدل على أنه لا يلزم المرأة أن تحتجب عن الأعمى؛ لأنه يترتب على ذلك مسائل، منها: أن الأعمى له أن يدرس النساء ويخاطبهن ويعلمهن، وله أن يجلس بينهن لمصلحة بوجود المحارم، ولا يحتجبن عنه، فهذا هو الذي دلت عليه المسألة وهذا الذي يستفاد من الحديث.