إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
هذه الليلة الرابعة من شهر محرم لعام (1413هـ).
وعنوان هذا الدرس: رسائل من الداخل والخارج.
وقبل أن أبدأ في دوافع هذه الرسائل، وفي قراءة بعض الرسائل والاستنتاجات منها، أقف معكم لحظة مع المعصوم عليه الصلاة والسلام -صاحب المنهج، وأصدق من تكلم، وأوفى من عاهد، وأشجع من قاتل، مع البر الرحيم الوفي عليه الصلاة والسلام- في يومين اثنين:
اليوم الأول: يوم يسجد عليه الصلاة والسلام فيؤتى بسلا الجزور ويوضع على رأسه، ويرفع رأسه ولا يملك من الحول والقوة ومن أسباب الدنيا شيئاً.
اليوم الثاني: يوم طرده أهل الطائف إلى مكة ورجم بالحجارة، فسالت قدماه الشريفتان دماً، وهو لا يملك من أسباب الدنيا ولا من قوتها شيئاً ويأتيه ملك الجبال، ويقول: مرني أن أطبق عليهم الأخشبين، فيقول: {لا.
إني أسأل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً}.
ويؤذى ويُحاصر ويُطرد ويجوع، ويتهم وتمرغ سمعته في التراب، وتباع أملاكه، وينفى من دياره ومن مسقط رأسه، ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.
فما هي العاقبة ليوم الحق، ولرسول الحق، ولمعلم البشرية عليه الصلاة والسلام؟ في نفس المكان الذي وُضع على رأسه فيه السلا يقف بعد سنوات فيأخذ حلق أبواب الكعبة، ويهز الباب، وحوله عشرة آلاف مقاتل يلبسون السلاح، كل واحد منهم يجري في دمه لا إله إلا لله، فيقول: {الحمد لله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده}.
ثم يتكلم عليه الصلاة والسلام للناس وهو منتصر.
بل ذكر ابن كثير وابن القيم أنه لما دخل منتصراً وأعلامه تخفق في مكة، نكس رأسه تواضعاً لله، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل، ودمعت عيناه، وماذا فعل بالناس؟
هل فعل بهم كما يفعل الأقزام الطغاة يجرون الماء بالدماء حتى تصل الركب؟
لا.
بل قال: {ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم.
قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء عفا الله عنكم}.
هذه رسالة منه عليه الصلاة والسلام، ووالذي نفسي بيده إن الحق منتصر، وإن العاقبة للمتقين، وإن كلمة الله باقية، وإن الذين يؤسسون مجدهم أو نصرهم على غير الثقة بالله، إنما هو كما قال تعالى: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109].
وكم رأينا من متبجح يهدد أهل الإسلام، ويهدد العلماء في البلاد الإسلامية، بذبحهم كما قال فرعون: {فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) [النازعات:23 - 25] بينما هو يهدد بالذبح والقتل، وإذ هو يقتله من أقرب الناس إليه، ويؤتى من مأمنه، ويلدغ من المكان الذي وضع يده فيه، لِيِعُلِمَ الله الناس أنه غالب على أمره، والله عز وجل يقول: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]