بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:24 - 25].
والصلاة والسلام على من قال فيه ربه: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس:69] فهز بفصاحته البلغاء، وأسكت بمنطقه الشعراء، وأفحم ببيانه العرب العرباء، وعلى آله وأصحابه اللُّسَّن المفوَّهين، والكماة الباسلين.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وشكر الله لأهل الفضل فضلهم، وعلى رأسهم الأستاذ الجليل والأديب النبيل عبد الله بن إدريس رئيس النادي الأدبي في الرياض، أدام الله سعوده، وسدد جهوده، وقد دعاني لإلقاء هذه المحاضرة بعنوان: (دور الأدب في معايشة النكبات) وهي تحمل الرقم (302) فلبيت دعوته، وأقول له كما قال أبو الطيب المتنبي لـ سيف الدولة:
أتاني رسولك مستعجلاً فلباه شعري الذي أدخر
ولو كان يوم وغىً قاتماً للبَّاه سيفي والأشقر
أصرف نفسي كما أشتهي وأملكها والقنا أحمر
أيها الحضور! الأدب كلمة مؤثرة حية تبعث في الشعوب الحياة، عاشها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بنفسه متكلماً وسامعاً، وخطيباً وفقيهاً ومفتياً، وقبل أن أبدأ اسمحوا لي بكلماتٍ سطرتُها، ومعذرة إن ندَّ بيان أو اختل لفظ.
سيدي علل الفؤاد العليلا أحيني قبل أن تراني قتيلا
إن تكن عازماً على قتل روحي فترفق بها قليلاً قليلا
الأدب الراقي سوف أذكره بعد هذه الأسطر؛ لكن أتحدث عن أدبٍ رخيص، وعن أدبٍ متبذل، وعن أدبٍ ليس مقصوداً في الإسلام.
نعيش اليوم أدباً في مجموعة لا تحمل مبدأً، ولا يتعامل مع قضيتنا الكبرى، ولا يتحمس لرسالتنا الخالدة.
أدباً غلب عليه التذبذب، ويبدل المواقف بحسب المنافع والأغراض.
أدباً يسترضي الخواطر، ويجامل على حساب الحق.
فإذا قائله أول من يُكَذِّبُه ولا يؤمن به، أدباً مزوقاً مستهلكاً، مجته الآذان، وعافته القلوب، وتمردت عليه الأجيال؛ لأنه لا يلبي حاجتها، أدباً يجعل السارق محترماً، والأمين خائناً، والسفاك فاتحاً عظيماً، وإمام المسجد متطرفاً مريباً، والمتزلج على الثلج وجامع الطوابع حكيماً عبقرياً.
أدباً سهلاً لسذج البادية، تلطيخ صحف الأمة بساقط القول ومتبذل الهراء، فأصبح دراويش الأعراب حملة فكر، وروَّاد قلم، في حين أَفَلَ نجمُ الطليعة وغاب شمس الرواد وأصحاب المبادئ.
إذا عَيَّرَ الطائي بالبخل مادر وعيَّر قساً بالفهاهة باقل
وقال السهى للشمس أنت كسيفة وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل
أدباً مجمركاً! عليه الوصاية، يصف الزوارق البحرية في شواطئ اللهو والضياع، ويبكي على موت أرانب الصحراء، ويحدثنا عن امرئ القيس وتدمر، والأمة تغرق في بحور الدماء، وتئن تحت سياط الجلادين، وتموت في زنزانات الطغاة الدجاجلة، وتحاصر بطوابير الملحدين المرتزقة.