قالت عائشة: {كان صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وفي طهوره وفي شأنه كله} هل قالت: في هذا الحديث وفي سواكه؟ لا.
قالت وفي شأنه كله، هل ثبت في سواكه؟ نعم، ثبتت عند أبي داود من طريق إبراهيم بن إسماعيل قال: {وفي سواكه وفي شأنه كله} ما هو الذي نفهمه من التيمن في السواك؟ هل المقصود باليد اليمنى أو من يمين الفم؟ من يمين الفم، هذا قول بعض أهل العلم، ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يرى أنه يمين الفم، التيمن هو يمين الفم، وأن السواك باليسرى، لكن يبدأ باليمين، يقول: "يحمل على هذا المحمل" وسبقه إلى ذلك ابن تيمية شيخ الإسلام في المجلد الحادي والعشرين الصفحة 108 من الفتاوى يقول: بل القواعد أو الظواهر الشرعية تدل على أن السواك باليسرى، ثم أتى بتنظير على أن السواك من باب إزالة الأذى، فهو كالاستنجاء والاستجمار والاستنثار، فتزال هذه كلها باليسرى فيتسوك العبد باليسرى، ولكنه لم يأت بدليل، وهو ليس معصوماً، إنما المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم، وهنا من باب التبيين فالسؤال الذي يقول: لماذا لم يأت ولو حديثٌ واحد منه صلى الله عليه وسلم يذكر أنه تسوك صلى الله عليه وسلم باليسرى؟ أنا أدري أنه سوف يرد راد ويقول: لماذا لم يأت حديث أنه تسوك باليمنى؟ يعني مسكوت عنه، فما هو الجواب؟
نقول: إن الأصل استخدام اليمنى دائماً، الرسول صلى الله عليه وسلم يستخدم اليمنى دائماً، مثلاً يقولون: كتب الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة، هل ننتظر حتى يقولون كتب بيمينه صلى الله عليه وسلم، لا.
لأن الناس يكتبون بأيمانهم، أو صافح صلى الله عليه وسلم وفد الأزد.
هل يقال: صافحهم بيمينه صلى الله عليه وسلم؟ يمينه هذه لا دلالة لها إذا أتت كما يقول أهل العلم إنما هي للتأكيد، يقول عز من قائل: {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام:38] هل يطير الطائر بغير جناحيه، لكن هذه جاءت لا مفهوم لها إلا للتأكيد، ولا طائر يطير بجناحيه، وإلا فإنه لو قال: (ولا طائر يطير إلا أمم أمثالكم) لفهم بأنه بجناحيه فالمعهود أنه صلى الله عليه وسلم يستخدم اليمنى دائماً، فلا ننتظر حتى يقول لنا قائل: كان يتسوك بيمينه لأنه سوف يسألنا: وأين دليلكم أنتم أنه يتسوك بيمينه صلى الله عليه وسلم؟
لكن نقول المعهود الذي ينقل وهو معروف ومشهورٌ من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه يتسوك بيمناه، وأما اليسرى فإنها خلاف العادة، ولذلك لو أشار صلى الله عليه وسلم باليسرى، قال: رأيته أشار باليسرى لأنها خلاف العادة، أو قال: رأيته شرب واقفاً صلى الله عليه وسلم، لكن هل نقل إلينا؟ قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم أكل جالساً، لأنه معروف أنه يأكل وهو جالس صلى الله عليه وسلم، أو يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نام على جنبه، أجل أين ينام؟! أو رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يمشي على رجليه، لأنه معروف هذا، فاقتضى أنه ليس باليسرى فيبقى على اليمنى.
والأمر الثاني: أنه من باب التكريم، فإن كان من باب التكريم فهو يستاك باليمنى وهو رأي النووي وابن حجر والشافعية، أنه باليد اليمنى وهو الذي يظهر والله أعلم، وهو من الأحسن والأطيب أن يتسوك خاصة عند الصلاة وعند قراءة القرآن باليمنى وعندما يقابل الناس لأن اليسرى لها مواطن، وإذا قابل الناس وهو يتسوك باليسرى فإن فيه شيء وفيه غضاضة، والأولى أن يتسوك باليمنى هذا ما ظهر لي في هذه المسألة.
ونقول: إذا كان في المجامع وعند الصلاة فإنه يتسوك باليمنى لطهارة اليمنى، ولأنه يقابل الناس، فكأنها الأحسن، ولو تسوك باليسرى فليس عليه شيء والمسألة أسهل من ذلك، لكن من باب مناقشة المسائل بالتعمق والتدقيق فيها، فإن بعض أهل العلم مثل ابن تيمية وهو شيخ الإسلام الذي لم تشغله القضايا الكبرى عن القضايا الصغرى بل تكلم فيها لأن بعض الناس الآن يقول: الناس صعدوا سطح القمر وأنتم محاضرة من المغرب إلى العشاء في السواك وما ورد فيه! وهذا نقول له: إن من جلالة هذا الدين أن يأتي بهذه الأحاديث كلها، ومعلم الخير صلى الله عليه وسلم عالج أكبر المسائل والمشاكل وأعظم مهمات الدين كما عالج هذه الصغار، أما هؤلاء فلم يجلسوا معنا ولم يصعدوا سطح القمر!
ثم إن بعض الناس يقول: المسألة ليست مسألة سواك، المسألة مسألة عقيدة.
لا.
مسألة سواك وثياب ولحية وغيرها، هذا الدين كما أتى به صلى الله عليه وسلم، أما تكلم صلى الله عليه وسلم في أكثر من عشرين حديثاً في السواك؟ بلى، هل شغله التكلم عن السواك أن يبلغ دعوة الله، وأن يصلح الأمة ويجمع شملها ويرفع راية الجهاد؟ لم يشغله ذلك، فاقتضى أن يعطي كل مسألة حقها ولا بأس بالتخصص والتعمق حتى في صغار المسائل.