هل يتسوك الصائم؟ وهل السواك لا يخدش عليه صيامه؟ وهل يفرق بين السواك الرطب والسواك اليابس؟ وهل يتسوك أول النهار وآخر النهار، أم أول النهار فقط؟ أم ماذا؟
الصحيح في ذلك أن الصائم يستحب له أن يتسوك أول النهار وآخره بالسواك الرطب واليابس، وأنه لا شيء فيه، ولا حرج، بل هو أفضل وهو السنة، والدليل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء أو عند كل صلاة} وجه الاستدلال بهذا الحديث في هذه المسألة أنه عمم المقال هنا، فهل هو في اختصاص الحال؟ أو اختصاص بعض الوقت؟ لأن العموم في الزمان كالعموم في الأفعال والأفراد.
فعمم صلى الله عليه وسلم عند كل صلاة، ولم يقل إلا للصائم في أول أو في آخر النهار، والدليل الآخر: حديث عامر بن ربيعة، في سنن الترمذي، قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي ولا أعد يتسوك وهو صائم} هذا الحديث حسن رواه الترمذي، فدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتسوك أول النهار وآخره، وأما حجة الذين قالوا بالسواك أول النهار وترك السواك آخره فلهم حجتان اثنتان: دليلٌ نقلي من المصطفى صلى الله عليه وسلم، ودليلٌ عقلي وهو تنظير، وهؤلاء هم الشافعية.
فعندهم حديث وهذا من باب النقل، وعندهم تنظير وهذا من باب العقل، والعالم إذا أعوزه الدليل النقلي فعليه أن يأخذ دليلاً عقلياً ليحاج به.
وهذه مسألة في أصول الفقه.
فأما دليلهم النقلي فقوله صلى الله عليه وسلم: {استاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي}.
وأما دليلهم العقلي فهو التنظير، قالوا: يقول عليه الصلاة والسلام: {ولخلوف} قال القاضي عياض: بضم الخاء لا بفتحها (خُلوف) {ولخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك} فقالوا: الخلوف هذا وهو رائحة من الفم، إذا تسوك العبد فإنها تزول، فلا يتسوك في آخر النهار، لأنه سوف يزول هذ الخلوف الذي يحبه الله.
والرد عليهم: أما بالنسبة للحديث الذي استدلوا به فلا يصح فقد رواه البيهقي وفي سنده من لا يعتمد، ولا يصحح حديثه ولا يقبل؛ لأن حديثه ضعيف ضعفه أهل العلم وعدد من الحفاظ، وأما قولهم إنه يزيل الخلوف، فالرد عليهم وهو رد ابن القيم حيث يقول: إن الخلوف يأتي من المعدة، ولا يأتي من الفم، والله ليس في حاجة -يعني لهذه الروائح التي يأتي بها العبد- بل الله عز وجل طيب يحب الطيب، جميلٌ يحب الجمال، يحب الروائح الطيبة، أما الخلوف هذا فإنه يأتي بسبب الجوع، ينبعث من المعدة إذا خلت من الطعام، فلا دخل للفم فيه، وهذا رد موجه، وصحيح يؤخذ به، فاقتضى أن السواك في أول النهار وفي آخره سيان، وهناك حديث {استاكوا إذا كنتم صياماً أول النهار ولا تستاكوا بعد العصر} لكنه ضعيف كأخيه السابق، وورد عند ابن ماجة: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستاك أول النهار وآخره} وقد علقه البخاري في صحيحه من كلام ابن عمر، قال: وقال ابن عمر: {كان صلى الله عليه وسلم يتسوك أول النهار وآخره} وهذا الحديث أورده البخاري معلقاً.
وللفائدة نقول: الحديث المعلق هو الذي سقط من أول إسناده مما يلي المحدث شيخه فأكثر، أو سقط السند كله فهذا معلق.
والمرسل -على المناسبة- هو: أن يُسقَط الصحابي من السند ويصل التابعي الحديث بالرسول صلى الله عليه وسلم.
ومرسل منه الصحابي سقط وقل غريب ما روى راوٍ فقط
والمنقطع؟ ما سقط من سنده راوٍ فأكثر، ويشمل المعلق والمعضل والمرسل ويشمل ما سقط منه السند كله أو سقط راوٍ واحد أو أكثر رواته فهذا يسمى منقطعاً.
والحديث المعضل؟ هو: ما سقط منه راويان بموضع ما على التوالي، يعني الرجل وشيخه، الرجل وتلميذه، فهذا معضل.
والحديث المقطوع -وهو غير المنقطع- وهو ما وقف على التابعي فمن بعده.
والموقوف: ما وقف على الصحابي.
والمرفوع: هو المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وما هو الحديث المدبج؟ نعم، هو أن يروي الرجل عن آخر والآخر عنه.
وما روى كل قرينٍ عن أخه مدبجٌ فاعرفه حقاً وانتخه
وبقي فيه مسائل وأحكام، ولكن ليس هذا المقصود من الدرس وإنما توقفنا لأنه عرض لنا هذا العارض، فأردنا أن نوضحه أكثر.