من حرصه صلى الله عليه وسلم على تطبيق السنة، وعلى النظافة والطيب أنه في مرض موته الذي ألم به صلى الله عليه وسلم لم ينس السواك، كان رأسه في حضن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد ألم به مرض الموت وقد اقتربت منه سكرات الموت، فدخل عليها أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر الذي دفن في مكة، ومرت به وهو في المقبرة كما روى الترمذي فلما رأت قبره بكت طويلاً لأنه كان لبيباً وفياً معها صادقاً، وكان يخدمها كثيراً، وهو الذي ذهب بها يعمرها، أي يأخذ معها عمرةً من التنعيم فلما مرت به عند مقبرة (ريع الحجون) في مكة بكت طويلاً وتمثلت بقول متمم بن نويرة في أخيه:
وكنا كندماني جذيمة برهةً من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وعشنا بخيرٍ في الحياة وقبلنا أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا
فلما تفرقنا كأني ومالك لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وهذه من أعجب القصائد، بل هي سيدة القصائد أو سيدة المراثي عند المسلمين، يقول: بكت عيني اليمنى -كان أعور-:
بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم اسبلتا معا
يقول نهيت اليمنى أن تبكي وقلت لها: افعلي كاليسرى لا تبكي، فبكت اليسرى قبل أن تتعظ اليمنى، إنما الشاهد أن عبد الرحمن دخل على عائشة في مرض موته صلى الله عليه وسلم، فلما رآه صلى الله عليه وسلم -وهذا في الصحيح- ما استطاع أن يتكلم صلى الله عليه وسلم؛ لأن المرض اشتد عليه صلى الله عليه وسلم فأخذ يبده نظره، يبده: أي يعمد بنظره إلى عبد الرحمن كأنه يقول: هات!
قلوب العارفين لها عيونٌ ترى ما لا يراه الناظرونا
تكلم عليه الصلاة والسلام بعينيه فأتت عائشة فأخذت السواك من فم أخيها فقضمته قالت: {قضمته أي أزالت ما تسوك به، ولو لم تزله لتسوك عليه الصلاة والسلام من تواضعه ولينه ويسره ثم سلمته للنبي صلى الله عليه وسلم فأخذه بيده فتسوك كأشد ما كان يتسوك في الحياة الدنيا} فهو لم يتركه حتى في مرض موته صلى الله عليه وسلم، ولذلك يستحب ولو في أحرج المواقف أن تتعاهد هذه السنة المطهرة منه صلى الله عليه وسلم.