والسورة التي نحن بصددها هي سورة البقرة، وهي عظيمة جد عظيمة، ومذهلة جد مذهلة، أما عظمتها فلأنها أكبر سورة في القرآن، وهي سرادق القرآن، ثم تأتي كذلك من أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إن بيتاً تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان} ثم إنها حفلت بالأحكام، فقد تكلمت عن المؤمنين، ثم تكلمت عن الكافرين، ثم تكلمت عن المنافقين، ثم دعت الناس لتوحيد رب العالمين أجمعين، ثم نزلت نزلات استطلاعية -كما يقول سيد قطب - ونزلات نسفٍ وإبادةٍ على بني إسرائيل، فلما انتهى الله من بني إسرائيل أتى بالأحكام، ما بين نكاح وطلاق وقصاص، وما بين صيام وحج، ثم ختمها بالنفقة، وفي غضونها أعاجيب وقصص لبني إسرائيل، فسبحان الله كم حوت من حكم!
عرض له صلى الله عليه وسلم شباب يريدون الغزوة، فقال: {أيكم أكثر أخذاً للقرآن؟ فقال شابٌ: أنا يا رسول الله! أحفظ سورة البقرة.
قال: أتحفظها؟ قال: نعم.
قال: فاذهب فأنت أميرهم}.
فالإمرة بمثل هذا والتصدر والتقدم في الدنيا والآخرة بمثل هذا أيضاً، ولذلك يقول عمر رضي الله عنه -كما في صحيح مسلم -: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين}.
ومع السياق، ومع النور، ومع الروعة والجمال:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:23 - 24] هاتان الآيتان جاءتا بعد أن نادى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الناس جميعاً لعبادته، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] ثم ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى نِعَمَهُ، وما أودعه في الأرض من ثمراتٍ وخيرات، فقد غمرك بالنعم من مشاش رأسك إلى أخمص قدميك.
فأنت تتقلب في نعمة الله، وتمشي في ستره، وتشرب ماء الله، وتأكل رزقه، فأين تذهب من نعم الله؟!
ولذلك قالوا لبعض أهل العلم: كيف نتفكر في النعم؟ قال: تفكروا في الطعام كيف تأكلونه وكيف تخرجونه؟!
وقد قال ابن السماك لـ هارون الرشيد: يا هارون! أسألك بالله لو منعت شربة، أتفتديها بنصف ملكك؟
قال: إي والله، فلما شرب، قال: يا هارون! أسألك بالله لو منعت إخراجها أتفتدي إخراج الشربة هذه من جسمك بنصف ملكك؟
قال: إي والله، قال: ملك لا يساوي شربة ليس بملك.