والغفلة -يا عباد الله- يعيشها الإنسان ولو كان في وسط المدينة وبين العلماء والدعاة, وتجد الإنسان مبهوتاً يسمع الذكر والموعظة والخطبة، ولكنه لا يتغير في سلوكه شيء, وهذا لأنه غفل عن ذكر الله عز وجل, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ * إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء:97 - 98].
ولهذا وصف أبو هريرة الرجل الغافل بأنه يدخل المسجد فيشدق الشيطان لحيه، فينظر إلى سقف المسجد ولا يذكر الله, وهذه صور كثيرة, قد تجد الإنسان يدخل قبل الصلاة بنصف ساعة, فينقر ركعتين -على كلام الشيخ كشك هبد بركعتين- يقول أحد الناس من جهة مصر من الصعيد تاب الله عليه فاهتدى فأخذ يصلي وعنده غنم, فلما صلّى الصلاة الأولى ماتت شاة بقضاء وقدر من الله عز وجل, صلّى العصر فماتت الثانية, صلّى المغرب فماتت الثالثة، صلى العشاء فماتت الرابعة، صلى الفجر فماتت الخامسة, الغنم بها مرض والرجل يظن أنها ماتت بسبب الصلاة, فترك الصلاة ولكن ما بقي إلا شاة واحدة فأخذت تقفز وتضبح وتصيح من الجدار وهي مربوطة بحبل فأخذ يسحبها ويجرها ويقول: اسكتي والله إن لم تسكتي وإلا أهبدك بركعتين!! يقول: تتوبين وإلا أهبدك بركعتين تلحقك بالدار الآخرة!!
وبعض الناس يدخل المسجد يهبد بركعتين وهي من أثقل الأشياء عليه, حتى تجده متثاقلاً من الصلاة، الذي يقتني الغناء والطرب والموسيقى والمجلة الخليعة والمسلسل تجده يصلي، لكن يظهر عليه الاكتئاب والقلق والفتور والبرود؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول عن المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] {سئلت عائشة: كيف كان صلى الله عليه وسلم يقوم لصلاة الليل؟ قالت: كان إذا سمع المؤذن وثب} وثباً -كالأسد- يقف واثباً عليه الصلاة والسلام, قال تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] وقال: {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص:45] أي: يأتون إلى الصلاة بحرارة, إنسان يأتي بارداً لا يقبل، ولله المثل الأعلى: لو أن مسئولاً جالس وأتاه إنسان يقدم له هدية أو معروضاً فأتاه فمشى مشية المتباطئ ثم نظر له ببرود ثم أعطاه باليسرى المعروض وهو على أمتار وما صافحه ولا سلم عليه, هذا يرده على وجهه ولا ينظر إليه ولا يلتفت -ولله المثل الأعلى- تجد من الناس من إذا أتى إلى المسجد فهو أول من يخرج وآخر من يدخل, فإذا دخل المسجد وقف في طرف الصف وحتى وقفته ليست معتدلة, ثم يضع يديه ويبدأ في تفكيره واحتكاكه وإخراجه لنقوده وشروده وفي مذكراته وإنهاء شغله فتطول الصلاة, وأول من يخاصم في المسجد هو إذا طوّل الإمام قال: حسبنا الله ونعم الوكيل! الدين يسر, الرسول يقول: {من أَمَّ منكم بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف والصغير وذا الحاجة} فيحفظ أحاديث الرخص، أما أحاديث العزائم فلا يحفظ منها شيئاً, فهذا يأتي إلى المسجد قال أبو هريرة: [[فإذا انتهى نظر أعلى السقف]] لا تجده يسبح أبداً، بل يأخذها فرصة إذا تكلم جاره معه تكلم, ولذلك تجد في المساجد من يتكلم بين الأذان والإقامة دائماً لا يقرأ ولا يسبح وإنما كلام دائم, يسلم، يا فلان! متى قدم ولدك؟ يتأخر هنا تزوجت ابنتك ماذا أتى لفلان؟ سمعت بأمطار وإلى الأسعار والأمطار، الأخبار، الأشجار، التجار، الفجار، كلها أصبحت في المساجد, وهذه علامة الغفلة عن الله وعن أمره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.