فهذه المرأة لما خرجت، سأل صلى الله عليه وسلم عائشة عنها، قالت: هذه المرأة أعطيتها تمرة فقسمتها بين ابنتيها، فقال عليه الصلاة والسلام: {من ولي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له ستراً من النار} والبنات أمرهن عجيب، أضعف الناس قلوباً، وأكثر الأحاديث في البنات وتربية البنات؛ لأن الرجال أشداء وأقوياء، وباستطاعتهم إذا كبروا أن يشبوا ويقوموا بأنفسهم، أما البنات فلا بد لهن بعد الله من راعٍ.
ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {من عال جاريتين فرباهن وأدبهن وأحسن تربيتهن، ثم زوجهن، كان جاري في الجنة} ويقول: {أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين} ويشير صلى الله عليه وسلم بإصبعيه.
والعجيب أن الله تعالى رزق الرسول صلى الله عليه وسلم البنات وكبرن معه أكثر من الأولاد، فالأولاد لم يستمروا في حياته صلى الله عليه وسلم كثيراً، فكان له أربع عليه الصلاة والسلام: فاطمة أصغرهن، وأم كلثوم، وزينب، ورقية، والثلاث توفين في عهده صلى الله عليه وسلم وفي حياته، وبقيت فاطمة بعده ستة أشهر.
قال بعض العلماء: من الحكمة في ذلك ألا يجدن خصاصة بعده صلى الله عليه وسلم، أو فقراً، أو مسكنة، أو أذى، أو شراً، فتوفين قبله صلى الله عليه وسلم، ثم لحقت فاطمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حضرته سكرات الموت، كانت فاطمة تقول -كما في البخاري - {واكرب أبتاه، قال: ليس على أبيك كرب بعد اليوم} فأسر إليها كلمة، فقال عليه الصلاة والسلام: {أنتِ أول الناس لحاقاً بي} وقيل: أول أهلي لحاقاً بي، فسرت بهذه الكلمة، وقال: {ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين}.
فقال عليه الصلاة والسلام: {من ولي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن، كنَّ له ستراً من النار}.