أما قصته فكما قرأناها؛ فقد كان عمر رضي الله عنه وأرضاه، يريد أن يظهر الداعية عليه الصلاة والسلام بمظهر الجمال والجلال والكمال، وكانوا يحبونه عليه الصلاة والسلام أكثر من أنفسهم، وفي صحيح البخاري أن عمر قال: {يا رسول الله! والله إنك أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي، فقال عليه الصلاة والسلام: لا يا عمر! -أي: ما وصلت تلك المنزلة التي أريدها منك، فالدين يريد منك أن تكون أكبر من هذا- فقال: لا.
حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال: فو الله الذي لا إله إلا هو إنك الآن أحب إلي حتى من نفسي} وصدق، ونشهد الله أنه كان أحب إليهم من أنفسهم.
وفي الصحيحين من حديث أنس، قال: قال عليه الصلاة والسلام: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما}.
فـ عمر أتى بهذه الحلة، وهذه الحلة لـ عطارد بن حاجب بن زرارة وهو تميمي، وفد المدينة بحلل يبيعها، وكانت هذا القصة في السنة التاسعة كما بين ذلك الحافظ ابن حجر، فأتى وفد تميم في السنة التاسعة، يريدون الإسلام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أرادوا الإسلام، وكانوا عقلاء دهاة نبلاء، وكان بنو تميم آنذاك قرابة عشرة ألف، وكانت تضرب من نجد إلى بادية السماوة في العراق.
فقالوا: نريد أن نفد على هذا الرسول عليه الصلاة والسلام مسلمين، فاختاروا أحلمهم وهو قيس بن عاصم، وهذا قيس بن عاصم أحلم العرب، وهو: {سيد الوبر} كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي أثر في سنده ضعف أن قيساً هذا لما وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {يا رسول الله! دنا أجلي، ورق عظمي، ولاح شيبي؛ فأوصني بوصية جامعة، فقال له صلى الله عليه وسلم: يا قيس! إن مع الغنى فقراً، وإن مع القوة ضعفاً، وإن مع العزة ذلة، يا قيس! إن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، يا قيس! إن معك قريناً يدفن معك وأنت ميت، وتدفن معه وهو حي، فهو عملك فأقلل منه أو أكثر} فترقرقت دموع قيس بن عاصم وكان في السبعين.
وقد عقد له البخاري ثلاثة أبواب في كتاب الأدب المفرد، وله حديث عند أبي داود في اغتسال المشرك إذا أسلم، وهو من سادات العرب، وهو أول من قتل الموءودة كما سلف معنا في الدرس الماضي، سامحه الله وغفر الله له فقد أسلم, وهو الذي يقول فيه الأول:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من ألبسته منك نعمةً إذا زار عن شحط بلادك سلما
وما كان قيس موته موت واحد ولكنه بنيان قوم تهدما