{وتقدم الثالث فقال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أُجراء -خُدَّام- قال: فحاسبتهم فأعطيتهم أجورهم إلا رجلاً واحداً منهم ذهب مغاضباً وترك أجرته، فأخذت أجره فثمَّرته له وبعت واشتريت له، حتى أصبح له من المال والغنم والإبل والرقيق شيء كثير، ثم أتاني بعد سنين فقال لي: يا عبد الله! اتق الله وأعطني حقي الذي عندك، قلت: خذ هذا المال فإنه مالك، قال: أتستهزئ بي؟ -مِن كثرة المال- قلت: لا والله لا استهزئ بك، قال: فساقه فلم يترك منه شيئاً؛ اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون}.
فيا لسعادة الصلحاء وقت الرخاء، يوم ينجيهم الله في الأزمات! ويا لفرحة من قدم لنفسه في الساعات الثمينة الغالية! وهذا مصداق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي بسند حسن، وهو حديث مذهل مدهش، يقول أحد العلماء كما ذكر ذلك ابن رجب: " ما قرأت هذا الحديث إلا أصابني الذهول منه، حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}.
عباد الله: أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.