Q إنني أشعر ببعد عن كتاب الله، على غير ما كنت قبل سنتين، فلقد سافرت إلى الخارج للدراسة في خلال تلك السنتين وعندما عدت شعرت بنقصٍ في عبادتي وفي الخشوع في الصلاة، وتلاوتي لكتاب الله عز وجل، فبماذا تنصحني؟
صلى الله عليه وسلم أنصحك ونفسي بتقوى الله عز وجل، وقبل الكلام عن مسألة التلاوة والحفظ أتكلم عن مسألة السفر إلى الخارج فهي من أعظم ما مني به المسلمون في هذا الزمن، والسفر كما سمعتم في رسالة الشيخ عبد العزيز بن باز أن من أعظم أضراره أنه يهون المعاصي، وأضرار عظيمة أيضاً منها: أن مسألة الولاء والبراء يصبح فيها غبش عند المسافر إلى الخارج، فبعد أن كان يرى أن الكافر عدو لله في بلاد الإسلام، يراه بعد فترة كأنه أخٌ له حميم، من القلب والروح.
والمسألة الثانية: أنه يرى الكبائر أصبحت صغائر، يوم كان يتحدث في المجتمع المسلم عن الصغائر أصبح هناك لا يتكلم إلا عن الكبائر وخفت المعاصي عنده.
المسألة الثالثة: أنه أصبح لا يحجبه عن المعاصي شيء، فهو ينظر إلى النساء ببرود، وتجد من يسافر إلى هناك يصبح النظر عنده شيئاً عادياً إلا عند من رحم الله عز وجل، فيصبح من المسائل التي لا يتحدث فيها، فهو يقول: أصبح الناس في كفر ونحن نتحدث في النظر، إلى غير ذلك من المفاسد، إلا سفر لضرورة من دراسة تنفع المسلمين، أو الاستشفاء، أو لعلمٍ لابد منه، أما غير ذلك فإن المرض العضال والسم الزعاف في السفر إلى الخارج.
أما ما ذكرت من شكواك وبعدك عن القرآن فكلنا ذاك الرجل، لكن أدلك على كثرة الاستغفار والتوبة وكثرة الدعاء في أدبار الصلوات والسجود، وكذلك لا تشدد على نفسك في كثرة التلاوة؛ لأن بعض العبادة تكره إلى النفس، والرسول صلى الله عليه وسلم دل ابن عمرو إلى أن يقرأ القرآن في شهر فنازله حتى أوصله إلى سبع ليالٍ، ونحن -والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه- لا نشكو من كثرة العبادة إنما من قلتها، فلا ما ندعو الناس إلى أن يخففوا على أنفسهم، فأحاديث الرخص موجودة عند الناس، فلا يحفظ الناس إلا أحاديث الرخص، إذا أتى أحدهم يقوم الليل، قال له الشيطان: إن لعينك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، لكن لو نام عشرين ساعة ما قال له الشيطان: إن لربك عليك حقاً.
فنحن نحفظ أحاديث الرخص بأسانيدها، أما أحاديث العزيمة وأحاديث الإقبال والهمم ما تحفظ إلى عند بعض الناس.
فأنا أقول: ليكن لك وردٌ من القرآن ميسر يناسب سفرك ومرضك وانتقالك، كجزء من القرآن أو جزئين في اليوم تتدبره وتتلوه، فالقصد والمداومة أصلٌ عظيم في العبادة، فالقصد القصد تبلغ ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وهو منهج أهل السنة في عبادتهم وتفقههم وتدبرهم لكتاب الله عز وجل.
ثم أوصيك كذلك بأن تبتهل إلى الله -وهو ما أسلفته في الكلام- لأنه الذي يفتح سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه قد تأتي بعض القلوب تقرأ القرآن فلا تفقهه بسبب كثرة معاصيها، فإذا دعا الإنسان وابتهل وخاصة في السجود وأدبار الصلوات ويوم الجمعة، وفي المناسبات والنفحات التي يتعرض فيها لرحمة الله فتح الله على العبد، فأنت ادع ولا تمل، وسوف يفتح الله عليك.